كلا الطرفين في إسكتلندا أعدّ عدّته للاحتفال الصاخب بالنتيجة.. الشوارع والحدائق والحانات والمراقص في المدن والقرى الاسكتلندية كانت تعدّ الساعات والدقائق في انتظار المحتفلين.. كانت واثقة من انهم سيجتاحونها، وحدويون أو استقلاليون، بحسب النتيجة التي جاءت لصالح الوحدويين، فكانوا هم المحتفلين بصخب.
الاستقلاليون المهزومون لم يتعدَّ ردّ فعلهم الشعور بخيبة الأمل، لكنهم كانوا موطّنين أنفسهم سلفاً للقبول بهذه النتيجة، وهذا ما أعلنه زعيمهم ، رئيس الحكومة الاسكتلندية، اليكس سالموند الذي قال "اسكتلندا قررت بالأغلبية الا تكون دولة مستقلة، وأنا أقبل بهذا القرار وأدعو كل الاسكتلنديين للقبول بهذه النتيجة الناجمة عن عملية ديمقراطية".
لم يقل سالموند هذا الكلام بوجه ممتعض أو مكفهر ولا بنبرة غاضبة أو ساخطة .. بدا مرتاحاً بعض الشيء، وفي لحظة من اللحظات امتلأ وجهه بابتسامة عريضة وهو يجول بنظره بين أنصاره الليلة قبل الماضية، والسرّ يكمن في انه زعيم ديمقراطي عن حق، ولابدّ انه لم ينظر الى نتيجة استفتاء الخميس على استقلال إسكتلندا عن المملكة المتحدة بوصفها نهاية المطاف، فبعد خمس سنوات أو عشر أو عشرين يمكن العودة الى الاستفتاء، وقد تكون النتيجة مختلفة عن نتيجة الخميس مثلما يمكن أن تكون مماثلة لها.
حتى بالنسبة للاستقلاليين الاسكتلنديين المهزومين لم تكن النتيجة سلبية تماماً، فمن الآن فصاعدا ستكون الحكومة الاتحادية في لندن أكثر تفهماً لمطالب الاستقلاليين وشكاواهم وأكثر تجاوباً معها، بل سيتعدى ذلك حدود اسكتلندا الى مقاطعة ويلز وآيرلندا الشمالية اللتين وعدهما رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون بقدر أكبر من الحكم الذاتي وممارسة السلطات واتخاذ القرارات في حدود مقاطعتيهما، وبدور أكبر في السياسة العامة للبلاد.
النتيجة الأهم لتجربة الاستفتاء على استقلال اسكتلندا ستكون في تعميق وتطوير النظام الديمقراطي في أعرق الديمقراطيات .. هذا يوصلنا الى نتيجة هي ان علاج المشاكل يكون بالديمقراطية وبمزيد من الديمقراطية وليس بالركون الى القسر والقمع والإكراه، وهذا أمر في غاية الأهمية لنا نحن العراقيين بالذات، بوصفنا شعباً عانى طويلاً من عسف الدكتاتوريات التي سعت الى مواجهة المشاكل والأزمات الداخلية ومع الجيران بالقمع والاستبداد والحروب، فتعرّض بلدنا للخراب الشامل المتواصل والمتفاقم حتى بعد مرور ما يزيد عن عشر سنوات من الخلاص من آخر تلك الدكتاتوريات.
الآن نعيش وضعاً ليس بأفضل مما عشناه في الماضي، فثمة قوى وأحزاب وزعامات لم تزل تفكر وتتصرف بالطريقة السقيمة نفسها الى اعتمدتها الدكتاتوريات السابقة، معوّلة على القوة في فرض إرادتها وإخضاع الآخرين لها.
الاسكتلنديون واجهوا أول من أمس خيارين متعارضين ومتناقضين تماماً، بيد ان ذلك لم يدفع بأي من السياسيين أو الناس العاديين منهم الى التشاتم والتسقيط والتنابذ ولا الى التقاتل بالمفخخات والعبوات الناسفة وكواتم الصوت كما يجري لدينا على مدار الساعة.
فاز الوحدويون وانهزم الاستقلاليون، لكنّ الاسكتلنديين جميعاً ربحوا المزيد من الحرية والديمقراطية والرفاه، وقدمت بلادهم نفسها أنموذجاً جديراً بالتأمل في الأقل.
اسكتلندا أنموذجاً.. لنا
[post-views]
نشر في: 19 سبتمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
رياض
والله صحيح وهذه كلها تعتمد على الموروث الحضاري الذي هو سبب تمزقنا المطلوب البحث عن التخلص من ذلك