إن كنت أحفظ شيئا من الذكرى لسماحة السيد هاني فحص، ذي الوجه السمح والقلب الأسمح، فإنها ابتسامته التي تتراءى لي كلما مرّ عليّ اسمه. ربما لأني أحبه كنت أشعر، حين يحضر، بأن عمامته مثله تبتسم وتطش الفرح في المكان. أحيانا، أحار في تحديد هوية قلبه: أعراقي أم لبناني؟ لذّ ته انه اجتمعت به حرارة القلب العراقية والرقة اللبنانية.
التقيته أول مرة في الكويت عام 2005. تجاورنا في فندق السفير. انه يعرفنا نحن العراقيين الذين نهتم بالثقافة والإعلام. لا أبالغ لو قلت انه يعرفنا واحدا واحدا حتى دون ان يلتقينا. في ذلك اللقاء طلب مني ان أُسمعه "جنح غنيدة" لمظفر النواب بصوتي. اعتذرته لأني لا احفظها كلها. دس يده في حقيبته وناولني ديوان "الريل وحمد".
حضر أمسيتي الشعرية التي أقامتها رابطة الأدباء الكويتيين. أغنى الجلسة بمداخلاته لينقل الجو إلى عمق أدبنا الشعبي العراقي. حدّث الحاضرين عن الليلتين اللتين سهرنا بهما قبل الأمسية. حسه المرهف منحه "حسجة" نجفية بلكنة لبنانية تشد قلوب الحاضرين.
قبل بدء الأمسية بقليل اتصل بي أصدقاء عراقيون يسألونني عن عنوان مكانها. كنت جالسا جنب السيد. ناديت على عريف الأمسية وسألته ان يصف لي العنوان فقال لي: قل لهم خلف المسجد الفلاني. رد السيد عليه: شوف غير وصف، تره ربع العقابي ما يعرفون درب المسجد ! امتلأت القاعة بالضحك والتصفيق.
رغم حزني المرّ عليه، إلا اني اجد نفسي محظوظا فعلا إذ عاشرت رجال دين رائعين ومتنورين يندر ان يمنّ عليك الزمان بمثلهم. بعض من خلال والدي، رجل الدين أيضا ،وبعض كان الشعر الشعبي الذي أكتبه وأهتم به، سببا في معاشرتهم. في بالي أن أمرّ على أولئك الطيبين بسلسلة أعمدة قصيرة لعلي أردّ بها جزءاً من دين لهم في عنقي.
رحلت العمامة المبتسمة
[post-views]
نشر في: 21 سبتمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
جمال أحمد
لاتنسى الشيخ جلال الحنفي رحمه الله