TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ركعة عبود

ركعة عبود

نشر في: 21 سبتمبر, 2014: 09:01 م

لأنه صاحب اقدم دشداشة بين أهله و معارفه ، ولا احد يعرف تاريخ تدشينها للمرة الاولى من قبل مالكها الشرعي عبدالعال ، ولقدمها الى حد المبالغة حتى قيل عنها انها وردت في الرقم الطينية السومرية ولكثرة انتشار "الركع " من" كل زيج ركعة " كما يقول المثل الشعبي ، نالت "ركعة عبود " شهرة عريضة.
عبد العال نال الشهادة الابتدائية مطلع ستينات القرن الماضي ، كان يتمنى ان يصبح معلما ، لكن الأب وقف ضد رغبة ابنه في إكمال دراسته لحاجته الماسة الى خدماته في العمل الزراعي ، ولعل الأب كان يخشى ان ينادي احد التلاميذ معلمه أستاذ عبد العال بلقبه "عبود ركعة " فيقع في حرج أمام الزعاطيط .
لا احد يعرف عبد العال باسمه المسجل في دفتر النفوس ثم في هوية الأحوال المدنية ودفتر الخدمة العسكرية ، وعلى عادة أبناء الأرياف في تحريف الأسماء وتصغيرها، اصبحت "ركعة عبود" علامته الفارقة ،ولازمت الأبناء والأحفاد ،وارتبطت بأحداث ومواقف سياسية فبعد نكبة الخامس من حزيران في العام 1967 ، ورفع شعار كل شيء من اجل المعركة قاد عبد العال تظاهرة بمشاركة مئات الفلاحين تندد وتستنكر العدوان الاسرائيلي على الأمة العربية ، وتوجه الى مركز الناحية ، وعندما حان موعد إلقاء القصائد والكلمات لتأجيج الحماسة رفض عريف الحفل صعود قائد التظاهرة الى المنصة ، وإلقاء كلمته ، لان دشداشة عبد العال ستثير غضب مدير الناحية ، فليس من المعقول ان نواجه الصهاينة وأعداء الأمة العربية بركعة عبود .
بمرور الزمن تخلص الرجل نسبيا من لعنة لقبه ، لكن بعض الخبثاء كانوا يذكرونه" بركعة دشداشته" فيقابلهم بالإهمال والتجاهل ، ولارتباطه بعلاقات متينة بمدير مدرسة القرية ومعلمها الوحيد القادم من العاصمة بغداد ، حصل تحول نوعي في حياة عبد العال ، فأخذ يقرأ الكتب الأدبية ، ويتعرف للمرة الأولى في حياته على عوالم مجهولة ، وأهلته ثقافته الجديدة للدخول في مناقشات وحوارات ثقافية وسياسية ، فتوصل الى يقين بان محاربة إسرائيل ومواجهة المخططات الصهيونية والامبريالية، ترتبط بإزالة كل مظاهر التخلف ، والتوجه نحو الديمقراطية، وإزاحة الأنظمة الديكتاتورية ، واعترف عبد العال بصحة قول عريف الحفل بان تحقيق انتصار الأمة على أعدائها لم ولن يحصل عن طريق ركعة عبود ، فأثار رأيه من كان يحدثهم فحذروه من تجاوز الخطوط الحمر ، ونصحوه بان يكون كلامه في نطاق ضيق ويقتصر على المقربين من الدرجة الاولى والثانية شريطة ان يثق بهم وبخلاف ذلك لن ينقذه لقبه من ملاحقة رجال امن السلطة بتهمة تهديد الامن القومي .
عبد العال مازال على قيد الحياة عاصر الأحداث السياسية بكل ما تحمل من مصائب ونوائب وفي زمن فرض العقوبات الاقتصادية على العراق ، تذكر القوم "ركعة عبود" ، وبعد نكبة حزيران العراقية وخضوع نينوى وغيرها لسيطرة الإرهابيين ، أصبحت" ركعة عبود" علامة عراقية بامتياز.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. farid mohamad

    الاخ الجميل بكتاباته وحكاياته الشعبية الراائعة أراك عروبي في نزعته وأن لن تقرها ولكن لن تستطع نزع جلدك عن بدنك أخي ببساطة البساط الأحمدي لماذا تؤكد أطراءك المؤسف على الراحل عبد الناصر الذي بعد به الزمان بغيابه والحاضر بمنهجه التحرري لشريح كبيرة من أمة

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram