TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > صدام والمالكي وعبدالمهدي

صدام والمالكي وعبدالمهدي

نشر في: 22 سبتمبر, 2014: 09:01 م

وفق نبوءات العارفين فان علينا ان نتعلم امراً مهماً هو: التطور داخل ظروف الانهيار، ولذلك فلم اعد اشعر بمفارقة كبيرة وانا اكتب عن شيء مفرح في اقصى جنوب البلاد، وآخر محزن يتفشى وسطها وشمالها. شيء عن تطور سياسي تشهده البصرة، وشيء عن حملات الكراهية في اماكن النزاع.
خلال التفجيرات الاخيرة المؤلمة، ومأساة الصقلاوية التي تعيد انتاج عجزنا في مواجهة الكوارث، لا يزال الكثير من الشباب يتحدثون بمنطق يفترض ان كل اتباع المذهب السني دواعش، وانهم يتحملون مسؤولية التفجيرات والصقلاوية. واحيانا يمكن ان نتفهم حجم اللوعة والالم التي تدفع المرء الى اطلاق احكام انفعالية، وهذا امر حاصل في الطرفين المذهبيين، لكن ذلك ينبغي ان يحثنا على مواصلة تحليله ومراجعته والحذر من تبعاته.
القائلون بان كل السنة دواعش، يتناسون ان الافاً من السنة يقاتلون داعش اليوم، جنبا الى جنب الاكراد والشيعة. وان هذه نقطة مهمة لصوغ مستقبلنا كبلد، او حتى"كأقاليم متجاورة"ستحتاج مبادئ"حسن الجوار"لتجنب مستقبل صراع اسود.
ان حجم الجنون صار اكبر مما تطيق مسؤوليات العقل، ولذلك فان هؤلاء المنفعلين، ليسوا اسوأ حالاً من سنة متشددين يحلمون كذلك بابادة الشيعة واعتبارهم جميعا مجرد ذيل لاطماع ايرانية.
هذا النوع من الانفعال يتسلل الى غرف صناعة القرارات، ويستغله كل طرف خارجي يريد مواصلة السخرية من"المدرسة العراقية في السياسة"التي اشرت اليها في المقال السابق، وقلت ان ابرز ابطالها الانفعاليين هو صدام حسين، واكثر ممثليها تضييعاً للفرص هو نوري المالكي. وكلاهما ورطنا في خسارات بسبب التسرع وتجاهل النصائح. والبعض ينتقد اللحظة السياسية للحكومة الجديدة، لانها تريد ان تتعقل وتراجع سياسات الانفعال الخاسئة. اي انهم يريدون من العبادي ان يصرخ على طريقة المالكي. وهنا نتذكر وحسب ان ثمانية اعوام من صراخ السلطان لم تمنحنا سوى هذا الضياع الدنيء، وحان الوقت لنجرب نهجا مختلفا.
وعلى الجانب الاخر من الاحداث، تقوم البصرة بتعريف نفوذها السياسي وفق صيغة اكثر نضجا. يقول ساسة فيها الان انه ليس مهما الحصول على منصب وزير بارز او موقع سيادي، تعالوا فقط لتعترفوا بصلاحياتنا الدستورية، التي تنص على مبدأ الادارة المشتركة لحقول النفط، وايضا الادارة المشتركة لشركة تسويق النفط ووضع تسعيرته وتصميم سياسات السوق.
الموقف هذا ظهر حين قام وزير النفط عادل عبدالمهدي، وهو رجل ينحاز بقوة لاسلوب الادارة الحديثة، بزيارة البصرة، ووجد نفسه في مفاوضات متحمسة حول تطبيق المادة ١١٢ من الدستور، والتي توجب ان تقوم بغداد بالاشتراك مع المحافظة المنتجة للبترول، في ادارة شؤون الحقول النفطية التي كانت منتجة اثناء كتابة الدستور. هذا بند دستوري لم تطبقه الادارة السابقة فالسيد الشهرستاني يؤمن وبصلابة"نووية"ان النفط لابد ان يدار من قبل فريقه الضيق هو، ولابأس ان نضرب الدستور عرض الحائط، حتى لو كان اهم وثيقة عيش مشترك في البلدان المتقدمة.
ان معركة اللامركزية بدا ان لها صلة بطموح كردي، ثم بدا انها خاضعة لوضع متشنج سني، لكننا مع البصرة نمتلك فرصة التعاطي مع مبدأ الادارة هذا، بوصفه منهجا متقدما في التدبير والحكمة، وقطع الطريق على فشل شخصي يتحول دوما الى فشل امة كاملة.
ولن ينتعش العراق الا بانتعاش البصرة، وهي لن تتقدم الا اذا اسست نفوذها السياسي الذي يمكنها من تدبير شؤونها، وفي وسعها ان تقدم نموذجا خاصا يساعد الاخرين، ومطالبتها بتطبيق الدستور هي اختبار للحظة عادل عبد المهدي، المستنير والمؤمن بالادارة الحديثة، وهي لحظة الحكومة الجديدة التي نحلم بقدرتها على دخول عهد الاصلاحات، اثناء مرور السكين على رقابنا جميعاً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. بغداد

    ان في مدينة البصرة التاريخية العريقة مقومات قيام دولة عظيمة وذلك بسبب انها أغنى البلاد في ثرواتها النفطية ( الذهب الإسود) وموقعها الإستتراجي البحري المتميز الذي يشهد له التاريخ بعمقه من صناعة السفن الى تجارتها القديمة مع الهند حتى انتجت قصص سندباد البحار

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram