جرى اتصال بين شقيقين ..كان الاول داخل العراق والاخر خارجه ..سأل المغترب شقيقه : كيف كان الجو عندكم ؟ فرد الثاني : الحرارة تخترق المنازل والحجرات والسيارات والملابس وتذيب الاجساد ..قال الاول : خطية ..اما الجو عندنا فرائع بعد ان أمطرت السماء وقد خرج الناس ليمرحوا ..قال الثاني : وماذا تفعل الآن ؟ رد الاول : سأخرج بعد قليل لا مارس رياضة الجري في المتنزه..وانت ؟رد الثاني : منتظرا في سيارتي العتيقة انفراج زحام لا اول له ولا آخر دون تبريد وقرب كومة نفايات هائلة وقد عقد الذباب مؤامرة على الاماكن المكشوفة من جسدي.. قال الاول : خطية ، واين كنت امس..اتصلت بك وانا احضر كرنفالا جميلا ..رد الثاني: (هنيالك)..انا كنت في المستشفى فقد أصيب جارنا محمد في انفجار الامس وذهبنا جميعا لزيارته ..قال الاول : خطية ..ثم اردف ..آسف لأني لم اتصل بك طوال الأسبوع فقد كنت في رحلة تزلج ..كانت ممتعة لدرجة انني لم اجد الوقت للاتصال بكم ..رد الثاني : "(هنيالك ) لابأس فلم اكن في المنزل ايضا لأني اخذت عائلتي الصغيرة وأمضيت أياما مع والدي ووالدتي وبقية أشقائي في منزلنا الكبير ، وأعدت لنا والدتي سمكها المسكوف الذي تعرفه ..قال الاول هذه المرة : (هنيالك) : ثم اكمل بحسرة : امس عانيت من الم المغص الكلوي طوال الليل ولم يكن معي من يهتم بي ..قال الثاني بقلق : وهل احضر لنقلك الى المستشفى ثم استدرك ضاحكا : اوه ..نسيت يا عزيزي اننا نتحدث عبر القارات ...
لم يكن احد يتخيل ان يتشظى العراقيون في أصقاع الأرض بهذا الشكل وتصبح الهجرة حلا لكل مشاكلهم الا الانتماء للوطن فالعراقي عاطفي بطبعه حتى لو حاول اخفاء مشاعره والادعاء بأن الغربة حققت له التوازن الذي ينشده في حياته فمن المعروف ان الرفاهية والتحضر هما اهم مكاسب العراقي في الغربة اذ يكفي الا يكون اسيرا لساعات القطع المبرمج للكهرباء الوطنية والازدحامات الاخطبوطية والخوف من الموت او تلقي انباء موت الاحبة في كل لحظة ....لكن الخسائر التي يكابر العراقي المغترب في عملية حسابها هي الحاجة الى لقمة طعام عراقية وامسية سمر بين الاهل و( لمة شمل ) جميلة للتهنئة في الفرح والمواساة في الحزن ...المشكلة ان العراقي لا ذنب له في اختياراته الجديدة فلو صار الوطن بالنسبة له حضنا دافئا يحميه من وحشة الايام ويمده بالحنان والرعاية والاطمئنان لما بحث عن حضن آخر يظل صقيعيا مهما منحه من اهتمام ...
مكاتب الهجرة تغص بالعراقيين والكفاءات العراقية تحلق خارج العش العراقي وعوائل عراقية كاملة اختارت الغربة رغما عنها للخلاص من التهديدات والقتل وفقدان الامان ، وجميع اولئك لم يقرروا يوما ترك ذكرياتهم وأحبتهم وأماكنهم الأثيرة بل كانوا قانعين بحفنة تراب عراقية ...الى متى يظل هذا الوطن يطرد ابنائه رغما عنه وعنهم ..متى يشعر السياسيون المتناحرون على المناصب ان بلدهم بات يفقد ابنائه بالتدريج فمنهم من اختار الغربة ومنهم من يعيش غريبا في بلده بينما يتشدق الساسة بانجازاتهم وما قدموه للعراقيين من خدمات ..ان كان حضن الوطن دافئا وقادته قادرين على حمايته فهل ينسحب ابنائه منه ويتناثروا في بقاع الارض ؟...الجواب على هذا السؤال سيكون حين ينال أبناء العراق نتفة من الاستقرار وشيئا من الأمان والقليل الكافي من خيراته ...
هنيـــــالـك
[post-views]
نشر في: 22 سبتمبر, 2014: 09:01 م