أعاد الناطق باسم داعش أبو محمد العدناني إلى التداول، مصطلح شيخه الأول أسامه بن لادن، حول تقسيم العالم إلى فسطاطين واحد للإيمان والمؤمنين، والآخر للكفر والكافرين، فأعلن حرباً لا هوادة فيها، طالب فيها "مؤمنيه" بقتل الكفار جميعاً دون استثناء، غير أن كلمته التي استغرقت أربعين دقيقة، وتناول فيها عدة قضايا من سوريا والعراق إلى اليمن ومصر وتونس، لم تُسعفه لذكر جنسياتهم جميعاً، فخص الأميركيين والفرنسيين والاستراليين والكنديين بالتحريض على قتلهم، بعد التوكل على الله، وبأي طريقة كانت، سواء كان الكافر مدنياً أو عسكرياً، ودون أن يرف له جفن، كفّر كل أبناء الجيش المصري، ودعا المؤمنين بفكر القاعدة إلى تنفيذ عمليات ضدهم، بتفخيخ الطرق لهم ومهاجمة مقراتهم وقطع رؤوسهم، وعدد وسائل القتل اعتماداً على حدود معرفته، وهي رضخ الرأس بحجر، أو النحر بسكين، أو القذف من شاهق، أو دس السم، أو الدعس بسيارة، والدعس من مقتضيات الإيحاء بأنه يعيش عصرنا هذا، فإن عجز المؤمن عن كل هذا فحرق المنزل أو السيارة، أو إتلاف الزراعة، وكل هذا عنده من مقتضيات إثبات الإيمان، والولاء لخليفة المسلمين.
يسمون إطلالات العدناني الإعلامية، وخصوصاً تلك الموجهة إلى مسلحي التنظيم "خطاباً شرعياً"، وهو اليوم يعد أتباعه بالنصر المبين والانتقال إلى مرحلة الهجوم، وغزو فسطاط الكفر لفتح روما، وسبي نساء الكفار وتكسير صلبانهم، ثم تحول إلى محلل عسكري بتأكيده أن المعارك لا تحسم من الجو أبداً ودعا قوات التحالف الدولي ضد الإرهاب إلى منازلة الدواعش على الأرض، متوعداً بأن تكون هذه آخر حملاتهم، رغم أن جنودهم سيعودون إلى العراق أكثر من ما كانوا فيه، حيث لن تغنيهم حرب الوكلاء، وسيعود هؤلاء الجنود إلى ديارهم التي سينهار اقتصادها، معوقين عاجزين أو في التوابيت أو مرضى نفسيين، وسيعم الرعب العالم، حيث سيخاف الواحد أن يسافر إلى أي بلد، ولا يأمن حتى في غرفة نومه.
ثمة نقطة مهمة في الخطاب الشرعي للعدناني، تؤشر إلى تحالفات ربما غابت عن ذهن الكثيرين، وهي تأكيده أن حرب داعش مع الأكراد حرب عقدية وليست قومية، وأن أتباع الخليفة لا يقاتلون الأكراد بسبب قوميتهم، وإنما يقاتلون الكفار منهم، وهنا يبرز النفس البعثي المستند إلى مفردات الحملة الإيمانية، التي تذرع بها صدام للبطش بمعارضيه، مع إدراك أن التحالف الدولي انبثق بعد تحرش داعش بالأكراد، وهم حلفاء الغرب دون إنكار، ويمكن للعالم الغربي الاعتماد عليهم كنقطة ارتكاز لمصالحهم الحيوية، بحكم الوضع الجيوسياسي لإقليم كردستان، وإذا ظن البعض أن داعش أخطأت بفتح عش الدبابير في كردستان، فإن المؤكد أن بعثيي صدام "المؤمنين" ولو متأخرين، ويعملون مع داعش، هم من روّج لهذه الخطوة، وهم يعرفون خطورتها وتكلفتها، سعياً للعودة بالعراق إلى ما قبل تمتع الكرد بإقليمهم، وعلى أساس عدم الاعتراف بإمكانية أن يكون العراق دولة اتحادية، وأنه لابد من دولة يحكمها المركز حتى لو كان ظالماً، ما يكشف أن النواة الصلبة في قيادة داعش، تتشكل من شخصيات بعثية عسكرية متمرسة، تسعى لإثبات تناقضها مع النسخة المشوهة للبعث في سوريا.
داعش ودولة الخلافة لغز كبير لكنه قابل للتفكيك، والخطابات الشرعية المتشنجة والمغرقة في الكراهية والظلامية للعدناني خير دليل.
داعش والخطاب البعثي المُبطّن
[post-views]
نشر في: 23 سبتمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ابو سجاد
ياستاذ حازم لماذا لانقل ان داعش هو صناعة ايرانية سورية لسحب المعركة داخل العراق وتقليل الضغط عن النظام السوري وهذا ماحصل او صناعة غربية لدخول المنطقة مرة ثانية لتنفيذ مرحلة جديدة وهي سايكس بيكو الجديدة وقد لاحت من ندخل فرنسا بهذا الثقل والتي كانت بالامس م