TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > داعش والخطاب البعثي المُبطّن

داعش والخطاب البعثي المُبطّن

نشر في: 23 سبتمبر, 2014: 09:01 م

أعاد الناطق باسم داعش أبو محمد العدناني إلى التداول، مصطلح شيخه الأول أسامه بن لادن، حول تقسيم العالم إلى فسطاطين واحد للإيمان والمؤمنين، والآخر للكفر والكافرين، فأعلن حرباً لا هوادة فيها، طالب فيها "مؤمنيه" بقتل الكفار جميعاً دون استثناء، غير أن كلمته التي استغرقت أربعين دقيقة، وتناول فيها عدة قضايا من سوريا والعراق إلى اليمن ومصر وتونس، لم تُسعفه لذكر جنسياتهم جميعاً، فخص الأميركيين والفرنسيين والاستراليين والكنديين بالتحريض على قتلهم، بعد التوكل على الله، وبأي طريقة كانت، سواء كان الكافر مدنياً أو عسكرياً، ودون أن يرف له جفن، كفّر كل أبناء الجيش المصري، ودعا المؤمنين بفكر القاعدة إلى تنفيذ عمليات ضدهم، بتفخيخ الطرق لهم ومهاجمة مقراتهم وقطع رؤوسهم، وعدد وسائل القتل اعتماداً على حدود معرفته، وهي رضخ الرأس بحجر، أو النحر بسكين، أو القذف من شاهق، أو دس السم، أو الدعس بسيارة، والدعس من مقتضيات الإيحاء بأنه يعيش عصرنا هذا، فإن عجز المؤمن عن كل هذا فحرق المنزل أو السيارة، أو إتلاف الزراعة، وكل هذا عنده من مقتضيات إثبات الإيمان، والولاء لخليفة المسلمين.
يسمون إطلالات العدناني الإعلامية، وخصوصاً تلك الموجهة إلى مسلحي التنظيم "خطاباً شرعياً"، وهو اليوم يعد أتباعه بالنصر المبين والانتقال إلى مرحلة الهجوم، وغزو فسطاط الكفر لفتح روما، وسبي نساء الكفار وتكسير صلبانهم، ثم تحول إلى محلل عسكري بتأكيده أن المعارك لا تحسم من الجو أبداً ودعا قوات التحالف الدولي ضد الإرهاب إلى منازلة الدواعش على الأرض، متوعداً بأن تكون هذه آخر حملاتهم، رغم أن جنودهم سيعودون إلى العراق أكثر من ما كانوا فيه، حيث لن تغنيهم حرب الوكلاء، وسيعود هؤلاء الجنود إلى ديارهم التي سينهار اقتصادها، معوقين عاجزين أو في التوابيت أو مرضى نفسيين، وسيعم الرعب العالم، حيث سيخاف الواحد أن يسافر إلى أي بلد، ولا يأمن حتى في غرفة نومه.
ثمة نقطة مهمة في الخطاب الشرعي للعدناني، تؤشر إلى تحالفات ربما غابت عن ذهن الكثيرين، وهي تأكيده أن حرب داعش مع الأكراد حرب عقدية وليست قومية، وأن أتباع الخليفة لا يقاتلون الأكراد بسبب قوميتهم، وإنما يقاتلون الكفار منهم، وهنا يبرز النفس البعثي المستند إلى مفردات الحملة الإيمانية، التي تذرع بها صدام للبطش بمعارضيه، مع إدراك أن التحالف الدولي انبثق بعد تحرش داعش بالأكراد، وهم حلفاء الغرب دون إنكار، ويمكن للعالم الغربي الاعتماد عليهم كنقطة ارتكاز لمصالحهم الحيوية، بحكم الوضع الجيوسياسي لإقليم كردستان، وإذا ظن البعض أن داعش أخطأت بفتح عش الدبابير في كردستان، فإن المؤكد أن بعثيي صدام "المؤمنين" ولو متأخرين، ويعملون مع داعش، هم من روّج لهذه الخطوة، وهم يعرفون خطورتها وتكلفتها، سعياً للعودة بالعراق إلى ما قبل تمتع الكرد بإقليمهم، وعلى أساس عدم الاعتراف بإمكانية أن يكون العراق دولة اتحادية، وأنه لابد من دولة يحكمها المركز حتى لو كان ظالماً، ما يكشف أن النواة الصلبة في قيادة داعش، تتشكل من شخصيات بعثية عسكرية متمرسة، تسعى لإثبات تناقضها مع النسخة المشوهة للبعث في سوريا.
داعش ودولة الخلافة لغز كبير لكنه قابل للتفكيك، والخطابات الشرعية المتشنجة والمغرقة في الكراهية والظلامية للعدناني خير دليل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ابو سجاد

    ياستاذ حازم لماذا لانقل ان داعش هو صناعة ايرانية سورية لسحب المعركة داخل العراق وتقليل الضغط عن النظام السوري وهذا ماحصل او صناعة غربية لدخول المنطقة مرة ثانية لتنفيذ مرحلة جديدة وهي سايكس بيكو الجديدة وقد لاحت من ندخل فرنسا بهذا الثقل والتي كانت بالامس م

يحدث الآن

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram