TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > من سمع زعيق التوماهوك؟

من سمع زعيق التوماهوك؟

نشر في: 24 سبتمبر, 2014: 09:01 م

ها هو الغرب المتقدم يقصفنا مرة اخرى. حسنا. انه يقصف داعش التي اريد انا ايضا ان اتولى قصفها بنفسي، لكن هذه الارض، والبلد ذاته، نفس الاشجار والانهار، مكتوب عليها ان تسمع القصف مراراً، دون التأكد من المآلات، كما حصل على الدوام منذ كنا اطفالاً.
صور صواريخ التوماهوك التي يبثها البنتاغون وهي تدك التنظيم الاسود، لم تكن صورة صاروخ عادي. انه صاروخ لم يصمم صانعه شكله ومداه وقوته فقط، بل صمم له صوتاً ايضا. المشهد بتقنية العصر الحديث، يخرج من نص توراتي او من اسطورة قديمة لليونان او البابليين، لتنين يصرخ بما يليق به، قبل ان ينطلق ليمزق الخصم. التوماهوك ايضا، صمموا له صراخا ودخانا يخرج من جانبيه، بما يليق به، يعول ويعول، وصوته يشبه ان تجر سريرا حديديا على بلاط المنزل، قبل ان يذهب نحو هدفه.
ها نحن نحاول التشاغل بتحليل الواقعة السياسية، على منضدة نظيفة، مقابل شاشات تنقل المعلومات من كل مكان. نحاول ان نحبس انفاسنا داخل الغرفة ونتشاغل بسيناريوهات للانفراج، لا لاننا مؤمنين بأن الانفراج قادم، ولكن فقط من اجل ان لا نحدق كثيراً حد اليأس المبرم، في صور الذابح والمذبوح.
ينتابني الهلع كلما تبخرت من رأسي فرضيات التسوية وقواعد الشطرنج وصياغات هذه النصوص الحذرة، ووجدت نفسي في خلوة مع مقاطع يوتيوب، حيث شباب من كل جنس، لديهم كميات هائلة من الرصاص، يطلقونها على عدو لا يقف بعيدا، فهو خلف جدار المنزل وحسب. الامة صارت تحارب"من دار الى دار"، فلم تعد هناك معارك في الصحارى او بين الجبال او على شاكلة"ذات الصواري". ها هي كل الاشياء تتصاغر وتصبح غير ذات قيمة.
المشهد لا يختلف من ريف دمشق والضلوعية واحياء صنعاء ومدن ليبيا. الحيرة ذاتها. شباب ليس لديهم معارك كبيرة، فالحرب هذه الايام سلسلة"عراك"من دار الى دار، يختلط فيها الذابح بالمذبوح، حتى ان الغرب وهو يريد ان يقتل الذابح، يتعثر بالمذبوح نفسه، ولا يميز بينهما، حائراً حتى في الاسماء والمسميات.
نغرق في التصريحات وتأويل العبارات، لنحبس انفسنا في غرفة نظيفة، ولنتهرب من ذلك الهلع الذي ينتابنا، ونحن نشم الدم العبيط، للصقلاوية والدجيل وحديثة، والشباب الذين يمتلكون رصاصا كثيرا، يطلقونه على شباب اخرين يقفون خلف جدار المنزل نفسه. اذ تنقسم العائلة الواحدة والزقاق الواحد.
وهناك في لقطات مجاورة، شباب لديهم كمية وافرة من السكاكين، وعدد كبير من الرهائن، فيما علينا ان نحدق كل يوم في عيون ضحية فرنسي او اميركي او بريطاني، او لبناني من الجيش يصرخ بعجز ويستفهم: ماذا دهاكم كلكم؟ قبل ان يتحول الى جثة هامدة.
واثناء الانصات مرارا لزعيق التوماهوك، يستمر النقاش حول صاحب الحق، والنقاش حول من اعتدى اولاً، والنقاش حول من اخطأ اكثر. الحكم صدر ويجري تنفيذه، بينما المحكمة غارقة في نقاش ابدي. هكذا انظر في عيون الرهائن وهي تذبح، وفي عيون الذباحين المموهة، وعيون شباب الضلوعية وجرف الصخر، جيشاً وعشائر وسرايا..الخ. واشعر اننا جميعا رقبة تحت سيف غامض عدمي. كلنا نحبس انفاسنا ونشم الدم. ولا نفهم كثيرا في النقاش حول المحق والاحق، وتحديد البادي الاظلم والمدافع عن نفسه، لكننا نعرف جيدا كيف يزعق التوماهوك، وماذا يحاول ان يقول، كوحش او ملاك حارس، قادم من اقدم الاساطير، فيتعثر كل لحظة بالذابح والمذبوح. انه يبحث عن اصعب الاهداف، داخل امة كلها تهرول، هاربة من سنجار، او نازحة من كوباني، او محاصرة في الضلوعية، او مذبوحة كل مساء بمفخخات بغداد، او خائفة في ليبيا ولبنان. ووسط هذه الامة الراكضة، الذابحة والمذبوحة، الغائصة في العراك من غرفة الى غرفة، كيف سأصدق ان في وسع زعيق التوماهوك ان يأتي بالغوث، حين يندثر العقل في كومة الجثث ويتفتت تحت اقدام المهرولين؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ابو سجاد

    سيبقى التوما هوك جاهزا وحاضرا ما دام هناك من لايستطيعوا القيادة وحسن تدبير امورهم وامور شعوبهم وسنبقى نحتاج التوما هوك مادام فينا من يطالب بالثاْر ولايؤمن بالتسامح والعفو ولايؤمن ببناء وطن يسع الجميع ولانستطيع الاستغناء عنه حتى نصل الى عقل وتسامح نلس ماند

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram