اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > همنغـــواي و"قواعد العشق الأربعون"

همنغـــواي و"قواعد العشق الأربعون"

نشر في: 24 سبتمبر, 2014: 09:01 م

ذات ليلة من ليالي الشتاء دوّت رصاصة من بندقية عتيقة لتنهي حياة أشهر كتـاب القرن العشرين"ارنست همنغواي"، وكان قبل ذلك بساعات يجلس ليكتب، يدون تأملاته: "يوما واحدا من دون ان اكتب.. يعني الأبدية" كان ذلك عام 1961.
لا أذكر عدد الكتب التي قرأتها أو تصفحتها، عن همنغواي او"بابا همنغواي" كما أسماه الصحفي الاميركي"هوتشنر" في كتابه الذي يعد ابرز سيرة ادبية كتبت بأسلوب روائي.. كان فيها الصحفي الشاب والمغمور آنذاك يحاول إقناع صاحب العجوز والبحر أن يمنحه من وقته خمس دقائق فقط من اجل الحصول على إجابة لسؤال طرحته الصحيفة تحت عنوان "ما مستقبل الأدب؟"لتتحول الخمس دقائق، في ما بعد إلى رفقة كان فيها الصحفي الخجول قد تحول الى ظل للكاتب العجوز.
أتذكر أنني منذ سنوات، لم امر على كتب همنغواي وكنت مثل كثيرين اعتقد ان الاحداث قد تجاوزتها، وان الزمن هو زمان التركية اليف شفق صاحبة "قواعد العشق الأربعون" التي ترجمت إلى ما يقارب الثلاثين لغة، ووزع منها في الإنكليزية فقط اكثر من مليوني نسخة، والرواية تعرض في جانب منها التجربة الروحية للشاعر الصوفي جلال الدين الرومي الذي قال عنه همنغواي يوما وهو يقرأ اشعاره بالإنكليزية"عندما تقرأه تطير في الهواء".
ظل صاحب"وداعاً للسلاح"يشغل العالم حياً وميتاً، وحتى سنوات قريبة لم يخلُ عام من دون صدور كتاب عنه. وجميع هذه الكتب تتحدث عن سر هذا الرجل وكيف أنتجت"قريحته"كل هذه السطور والعبر والمشاهد والمواقف التي توزعت بين الدفاع عن الجمهورية الاسبانية وعشق مصارعة الثيران، وبين هواية صيد الحيتان، وكتابة الريبورتاجات الصحفية لمجلة لايف، ويحدثنا الناقد رجاء النقاش في مقال ممتع عن همنغواي إنه استطلع آراء عشرات القراء كان معظمهم يعتقد أن همنغواي قناع لأكثر من مؤلف، إذ لا يمكن لرجل واحد أن يمتلك كل هذه القدرة على تصوير الماضي والحاضر والمستقبل في آن واحد، فهو مثل كلكامش رأى كل شيء وكتب عن الضعف الإنساني والحب والحرب.. لكنه كان وسيظل بارعا في تصوير الأسى البشري.. يسأل هوتشنر في"بابا همنغواي"كم يوجد في"لمن تدق الأجراس"من حوادث حقيقية اجاب"البابا": ان كل الكتب الجيدة تشترك في صفة واحدة، وهي انها تحكي الوقائع بطريقة اصدق مما لو كانت هذه الوقائع قد حدثت بالفعل.
في كل أعماله يطرح همنغواي السؤال الأزلي من هم الكتاب الحقيقيون؟ وما هو دورهم؟
حاول سارتر في كتابه"دفاعاً عن المثقفين"، الذي صدر عام 1965، أن يعطي تعريفاً للكاتب:"أن ما يجعل من كاتب ما مؤثرا هو قدرته على تجاوز الحقل الضيق لاختصاصه، الكاتب الحقيقي هو الشخص الذي يتدخل في ما لا يعنيه، ويمتلك القدرة على الجهر بالحقيقة"، يمكن أن نسأل: هل تشكل دعوة سارتر إلى كاتب سياسي، أم أنها كانت استجابة منطقية لقضايا عصره الملتهبة المستمرة حتى اليوم؟ سواء أكانت العلاقة قوية أم واهية، فإنها بالتأكيد انعكاس لذلك الالتزام الأخلاقي الذي لا وجود للكاتب من دونه. وقد نسأل أيضاً: ما هو دور الكاتب في مجتمعات لا ثقافة فيها ولا تميل إلى إنتاج كتاب وقراء حقيقيين؟ أو ما هي وظيفة الكاتب في مجتمعات تجتهد سلطاتها في تدمير العقل وتبديد الحقيقة؟
لا جواب إلا في ملحمة الصحيح، التي أعارها همنغواي عقله وقلمه وشخصه.
ربما لم يكن صاحب السيرة الباريسية الممتعة "وليمة متنقلة" يريد حقا الوصول الى تعريف لدور الكاتب الحقيقي، كل ما كان يتمناه ان تنتهي الحروب التي تغرق العالم في الظلام، ليكمل ملحمته الإنسانية التي انهاها بجملة مؤثرة:"افضل شيء في الحياة، فرص كسب معارك الناس البسطاء".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. محمد سعيد العضب

    ياخي الكاتب حقا تدخل عباد االله في في دوامه الكشف عن الذات الحقيقه . امل ان يقرأ الخطاب هذا سادتنا الكرام في الكابينه الحكوميه ومجلس النواب الموقر وننتظر عقود طويله ,لحين تاخذ الشيمه افقها الاعلي عند احدهم و يقدم المشهود علي الانتحار, ك

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

الأحوال الشخصية.. 100 عام إلى الوراء

وظيفة القرن: مدير أعمال الشهرة والانتشار

العمودالثامن: يا طرطرا.."!

العمودالثامن: ماذا يريدون ؟

مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي.. في المنطق القانوني

العمودالثامن: درس تشرين ودرس بنغلاديش

 علي حسين ما هو الفارق بين ما جرى في تشرين عام 2019 في بغداد والمحافظات.. وما جرى في البلاد الفقيرة بنغلاديش خلال الأيام الماضية؟ في العراق جرى قتل أكثر من 700 شاب.. وجرح...
علي حسين

متى تتكلم الأغلبية الصامتة؟ وماذا بعد قانون الأحوال الشخصية؟

د.غادة العاملي يثار جدل واسع حول تعديل قانون الاحوال الشخصية وخطورة التداعيات الاجتماعية التي تسبب بها، ويبدو من السجالات والمناظرات والندوات التي ترافق النقاشات المرتبطة بقانون الاحوال الشخصية، ان حزمة قوانين اخرى تنتظر التمرير...
د.غادة العاملي

عشر أفكار حول تطييف قانون الأحوال الشخصية

علي المدن لا أحد يعلم على وجه الدقة انطباعات العراقيين حول مقترح تطييف قانون أحوالهم الشخصية، وأنا شخصيا لم أقرأ حتى الآن أي أستطلاع للرأي العام حول هذا الموضوع المعقد، وعليه؛ ستبقى مسألة مقاومتهم...
علي المدن

في مواكبة الـ (المدى)..

لاهاي عبد الحسين يوافق الاحتفال بالذكرى الحادية والعشرين لانطلاق "المدى" كمشروع ثقافي واعلامي وطني مسؤول مع الضجة التي أحدثها تقديم مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 في مجلس النواب العراقي. هذا...
لاهاي عبد الحسين
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram