TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ستون وأفلام السيرة -3-

ستون وأفلام السيرة -3-

نشر في: 24 سبتمبر, 2014: 09:01 م

"مهدى الى الشباب الذين من أجلهم، يستمر البحث عن الحقيقة" ترد هذه العبارة في العناوين الختامية لفيلم (J.F.K) الذي ينتظم في سلسلة افلام اوليفر ستون التي تناولت سير الرؤساء الاميركيين.. ستون في فيلمه هذا وخلافا لفيلم (W) لم يكن معنيا بسيرة الرجل الذي يعد الرئيس الاكثر شعبية وإشكالية في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية "جون كيندي"، لكنه معني في "البحث عن الحقيقة" والحقيقة هنا كما صرح ستون ليست في "من اغتال كيندي؟" بل "لماذا اغتيل كيندي؟".. وهي الحقيقة التي ستشغل اهتمام ستون من لحظة حصوله على حقوق كتاب جيم جاريسون - النائب العام المسؤول عن ملف التحقيق في قضية اغتيال جون كيندي... والذي استطاع رغم كل شيء الوقوف على الكثير من الحقائق التي تمس الموضوع-، لاستغلاله سينمائيا حتى انتهاء عرض الفيلم الذي اثمر عن تشكيل لجنة في الكونغرس لتقرير نوع الوثائق التي تتعلق بالقضية ويسمح باطلاع الجمهور عليها.
اللقطات التسجيلية التي استهل بها ستون فيلمه، تتضمن إشارة إلى أسرة نموذجية من الخمسينيات! إضافة الى لقطات أخرى لها علاقة بزمن الحادثة، تجعل المتلقي يظن انه امام سرد لسيرة هذه العائلة وممثلها الذي اعتلى منصة الرجل الاول في اميركا.. لكن الانتقال الى مشهد العاهرة في الطريق الريفي وهي تحذر من اغتيال الرئيس، ثم مشهد موكب كيندي ولحظة اطلاق الرصاص عليه، تجعلنا نتيقن اننا امام التعاطي مع واحدة من اهم الاحداث التي زخر بها القرن العشرون.. ولعل سبق ستون في هذا الفيلم انها المرة الاولى التي تتناول بها السينما حادثة بهذا الحجم تحدث في الولايات المتحدة الامريكية، على اعلى المستويات بمثل هذه الجرأة والوضوح.
الفيلم إذن سيرة رجل من خلال سيرة حدث.. وما كان لمخرج من طراز اوليفر ستون ان يخوض بتفاصيل مثل هذا الحادث الجلل في تاريخ امريكا من دون ان يستنفر كل أدواته، والتي لا تقتصر على أدواته كمبدع، بل تتعدى ذلك الى أدواته كباحث ومؤرخ يتقصى الحقيقة، وبحساسية عالية نجني ثمارها بفيلم اشتمل على كل شاردة وواردة تخص هذا الحادث.
كان على ستون ان يكرس قناعة نسبة عالية من الامريكان في خطأ نتائج لجنة "وورين" التي تشكلت اعقاب الحادث للتحقيق فيه وان الامر اكبر من جريمة فردية الى مؤامرة كبرى كانت وراء حادثة الاغتيال، فاضافة الى كتاب جيم جاريسون، تسنى لستون الاطلاع على الكثير من الكتب حول الموضوع وعلى الكثير من الوثائق.. ووصل الامر الى تشكيل فريق ابحاث مهمته جمع المعلومات والاتصال بخبراء في اكثر من مجال. ومن اجل ذلك لم يكتف ستون بتجسيد الشخصيات الحقيقية في الفيلم، بل عمد الى (صنع) شخصيات اخرى لتسهم في كشف حقيقة ما جرى.
نكتشف مع المخرج وقبله مع جاريسون إن الاغتيال ليس فرديا، وأسبابه تتعلق بنية كيندي الانسحاب من فيتنام، وتبرمه من دور أمريكا في كوبا، وغيرها التي لا تتفق وخطاب المؤسسة الامريكية.
سيجتهد ستون وهو يتمثل اجتهاد جاريسون الحقيقي ويضيف عليه.. سيكتشف ستون اولا تناقضا واضحا في تقرير وورين.. ثم يقوم بسرد تفاصيل تشير الى صحة نظرية ستون وجاريسون ولا يمكن ان يكون حدوثها مجرد مصادفة.. اطلاق سراح المشتبه بهم، والموت الغامض لعامل السكك الحديد الذي شاهد الجناة، مقتل العاهرة التي حذرت من اغتيال الرئيس، ثم سيرة المتهم الاول اوزوالد التي يشوبها الكثير من الشك والغموض، مثل هذه الوقائع التي كانت مجرد افتراضات عند جاريسون، أصبحت حقيقة دامغة عند ستون.. صارت قرائن تدعم نظريته في ان الاغتيال مؤامرة كبرى.
كان لجوء ستون الى تكرار مشهد حادث الاغتيال في الفيلم هو إغناؤه في كل مرة يعرض فيها بالحقائق ثم ليتسنى قراءة هذا الحادث من زاوية نظر مختلفة.. يترك بعدها للمتلقي مهمة الوقوع على الحقيقة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

"دبلوماسية المناخ" ومسؤوليات العراق الدولية

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram