"مهدى الى الشباب الذين من أجلهم، يستمر البحث عن الحقيقة" ترد هذه العبارة في العناوين الختامية لفيلم (J.F.K) الذي ينتظم في سلسلة افلام اوليفر ستون التي تناولت سير الرؤساء الاميركيين.. ستون في فيلمه هذا وخلافا لفيلم (W) لم يكن معنيا بسيرة الرجل الذي يعد الرئيس الاكثر شعبية وإشكالية في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية "جون كيندي"، لكنه معني في "البحث عن الحقيقة" والحقيقة هنا كما صرح ستون ليست في "من اغتال كيندي؟" بل "لماذا اغتيل كيندي؟".. وهي الحقيقة التي ستشغل اهتمام ستون من لحظة حصوله على حقوق كتاب جيم جاريسون - النائب العام المسؤول عن ملف التحقيق في قضية اغتيال جون كيندي... والذي استطاع رغم كل شيء الوقوف على الكثير من الحقائق التي تمس الموضوع-، لاستغلاله سينمائيا حتى انتهاء عرض الفيلم الذي اثمر عن تشكيل لجنة في الكونغرس لتقرير نوع الوثائق التي تتعلق بالقضية ويسمح باطلاع الجمهور عليها.
اللقطات التسجيلية التي استهل بها ستون فيلمه، تتضمن إشارة إلى أسرة نموذجية من الخمسينيات! إضافة الى لقطات أخرى لها علاقة بزمن الحادثة، تجعل المتلقي يظن انه امام سرد لسيرة هذه العائلة وممثلها الذي اعتلى منصة الرجل الاول في اميركا.. لكن الانتقال الى مشهد العاهرة في الطريق الريفي وهي تحذر من اغتيال الرئيس، ثم مشهد موكب كيندي ولحظة اطلاق الرصاص عليه، تجعلنا نتيقن اننا امام التعاطي مع واحدة من اهم الاحداث التي زخر بها القرن العشرون.. ولعل سبق ستون في هذا الفيلم انها المرة الاولى التي تتناول بها السينما حادثة بهذا الحجم تحدث في الولايات المتحدة الامريكية، على اعلى المستويات بمثل هذه الجرأة والوضوح.
الفيلم إذن سيرة رجل من خلال سيرة حدث.. وما كان لمخرج من طراز اوليفر ستون ان يخوض بتفاصيل مثل هذا الحادث الجلل في تاريخ امريكا من دون ان يستنفر كل أدواته، والتي لا تقتصر على أدواته كمبدع، بل تتعدى ذلك الى أدواته كباحث ومؤرخ يتقصى الحقيقة، وبحساسية عالية نجني ثمارها بفيلم اشتمل على كل شاردة وواردة تخص هذا الحادث.
كان على ستون ان يكرس قناعة نسبة عالية من الامريكان في خطأ نتائج لجنة "وورين" التي تشكلت اعقاب الحادث للتحقيق فيه وان الامر اكبر من جريمة فردية الى مؤامرة كبرى كانت وراء حادثة الاغتيال، فاضافة الى كتاب جيم جاريسون، تسنى لستون الاطلاع على الكثير من الكتب حول الموضوع وعلى الكثير من الوثائق.. ووصل الامر الى تشكيل فريق ابحاث مهمته جمع المعلومات والاتصال بخبراء في اكثر من مجال. ومن اجل ذلك لم يكتف ستون بتجسيد الشخصيات الحقيقية في الفيلم، بل عمد الى (صنع) شخصيات اخرى لتسهم في كشف حقيقة ما جرى.
نكتشف مع المخرج وقبله مع جاريسون إن الاغتيال ليس فرديا، وأسبابه تتعلق بنية كيندي الانسحاب من فيتنام، وتبرمه من دور أمريكا في كوبا، وغيرها التي لا تتفق وخطاب المؤسسة الامريكية.
سيجتهد ستون وهو يتمثل اجتهاد جاريسون الحقيقي ويضيف عليه.. سيكتشف ستون اولا تناقضا واضحا في تقرير وورين.. ثم يقوم بسرد تفاصيل تشير الى صحة نظرية ستون وجاريسون ولا يمكن ان يكون حدوثها مجرد مصادفة.. اطلاق سراح المشتبه بهم، والموت الغامض لعامل السكك الحديد الذي شاهد الجناة، مقتل العاهرة التي حذرت من اغتيال الرئيس، ثم سيرة المتهم الاول اوزوالد التي يشوبها الكثير من الشك والغموض، مثل هذه الوقائع التي كانت مجرد افتراضات عند جاريسون، أصبحت حقيقة دامغة عند ستون.. صارت قرائن تدعم نظريته في ان الاغتيال مؤامرة كبرى.
كان لجوء ستون الى تكرار مشهد حادث الاغتيال في الفيلم هو إغناؤه في كل مرة يعرض فيها بالحقائق ثم ليتسنى قراءة هذا الحادث من زاوية نظر مختلفة.. يترك بعدها للمتلقي مهمة الوقوع على الحقيقة.
ستون وأفلام السيرة -3-
نشر في: 24 سبتمبر, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/almada-ad.jpeg)
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/almada-ad.jpeg)
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/Almada-logo.png)