أصحاب المهن والحرف يتلقون ثمن أتعابهم خارج التسعيرة الرسمية ، فالمسألة لا تخضع الى إشراف وإجراءات من قبل وزارة التجارة واجهزتها الرقابية، بقدر اعتمادها على رضا الطرفين ، ومنذ فرضت الحكومة التسعيرة على البقالين والقصابين وباعة الكراث والفجل ، شهدت الاسواق اضطرابا ، وفقدت تقاليدها السائدة من زمن السومريين ، وحتى عصر المولات والسوبر ماركت ، وبسطيات الشورجة ، وانتقل تأثيرها السلبي الى نشاطات اخرى تخضع لقانون العرض والطلب ، فالمطرب في الملهى الليلي ، حدد وصلته الغنائية لمدة ساعة او اكثر بالدولار ، وقيمة المبلغ تفرضها الشهرة والنجومية والقاعدة الشعبية ، وبث اعماله في فضائيات بشكل شبه يومي ، وراقصة الملهى الليلي هي الاخرى لها تسعيرتها تحددها نوعية البدلة فاذا كانت تكشف المفاتن وتجعل لعاب الزبائن يسيل بلا ارادة منهم وتجعلهم يفقدون اعصابهم ويصرخون "اخلع ياكدع " يرتفع سعر "النمرة الفنية" ويصل الى 500 دولار في الليلة الواحدة مع امتياز الحصول على طاولة "سوبر مفتوحة" بحسب التصنيف المعتمد في الملاهي .
بعد الغزو الاميركي للعراق عرف الوسط الاعلامي تسعيرة من نوع آخر ، فمكاتب الفضائيات العربية والاجنبية العاملة في بغداد ، كانت تمنح لضيوفها مبلغ 100 دولار مقابل حديث احدهم اثناء بث النشرة ، وترتفع التسعيرة عند المشاركة في برنامج مسائي ، وكان الضيوف يتخذون من حديقة احد الفنادق بشارع السعدون مقرا لهم ،وجميعهم حمل صفة المحلل السياسي ، والتحليل حسب طلب وتوجهات وخطاب الفضائية ، وخاضع للمتغيرات ، ومن تلك الظاهرة برزت اسماء استطاعت بمواهبها من الحصول على مناصب ومواقع رسمية ، ومنهم من اصبح مستشارا في وزارة سيادية .
المستشار قبل حصوله على السيارة المدرعة وبطانة من عشرات الافراد تضم الحبربشية عناصر الحماية من ابناء العمومة والمقربين، عمم تلفونه الشخصي على جميع وسائل الاعلام وابدى استعداده لتقديم خدماته على مدى اربع وعشرين ساعة عبر اطلالة متواصلة على شاشات الفضائيات منافسا افران الصمون في خدمة المواطنين.
إعلاميون عاملون في مكاتب وكالات انباء واذاعات و فضائيات عربية في بغداد يتداولون معلومات تؤكد ان المستشار وعلى خلفية الاقبال المتزايد لخدماته رفع تسعيرته وحمل منشاره ليعمل بموجب الشعار الشهير "صاعد ياكل نازل ياكل" ، وفي ظل الاوضاع الراهنة وتسارع الاحداث ، سيحتاج المستشار الى المزيد من المناشير ، وفريق عمل مكلف بجمع الوارد اليومي ، لأن جنابه ، لا يتسلم المبالغ باليد ، لحرصه على إبعاد الشبهات ، وانما يترك لمساعده تسلم المظروف بما يحتوي من الرزق الحلال ، نخلة وخط وفسفورة في الورقة من فئة 100 دولار .
وجود نموذج من هذا النوع في الدولة ، يجعلها متخلفة ، وذات بيئة مناسبة لاستقطاب الفشل من دول الجوار وما وراء البحار والمحيطات.
مستشار منشار
[post-views]
نشر في: 26 سبتمبر, 2014: 09:01 م