TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العراقي مؤهل للتطبيع مع التاريخ

العراقي مؤهل للتطبيع مع التاريخ

نشر في: 29 سبتمبر, 2014: 09:01 م

في المقال السابق تحدثت عن تواضع تجربتنا السياسية، وان الجمهور (والنخبة افراز للجمهور)، لم يتعود ادارة خلافاته بالمفاوضات، ولذلك يستسهل التفكير بالعنف كرد على اي اعتداء او تضرر مصالح. لكن بعض القراء انتهزوها فرصة للمبالغة في جلد الذات واعتبار الشعب حالة "ميؤوساً منها"، وعلى نقيضهم انزعج اخرون واعتبروا المقال منطويا على نوع من الغطرسة والترفع عن ابناء الشعب البسطاء. ولعل الامر يتطلب بعض الردود هنا. فلست مؤمنا بأننا حالة مستعصية، بقدر ما احسب اننا نحتاج الى فهم "نقص في طاقتنا الروحية" يساعدنا على العودة الى الجزء الصحيح من التاريخ.
قلت في المقال السابق ان "امتلاك قناعات متشددة لا تحب المرونة السياسية، امر طبيعي حتى في المجتمعات الحديثة"، ثم تحدثت عن مجتمعنا الذي لم يصبح حديثا بما يكفي، وقلت انني "تبادلت الحديث مطولا مع المتشددين في الموصل والانبار، وفي النجف والبصرة، وكانوا متشابهين جدا رغم اختلاف طوائفهم، وكانوا ايضا يواجهون صعوبة في الايمان بجدوى السياسات التصالحية".
وخلصت الى ان "هؤلاء العراقيين المتشددين، لديهم بعض الحق، فهم ابناء مجتمع لم يبرم صفقة تصالح منذ قرون، وقد تعود على حسم مشاكله بالعصا والسيف، ويحتاج وقتا ليصدق ان من الممكن تجربة اشكال اخرى من السياسة".
كما ختمت المقال بفكرة مفادها ان التشدد هو اختبار للاعتدال، ولارادة من يرفعون شعار الاصلاحات، فاذا نجحوا نكون قد قدمنا نموذجا صحيحا للجمهور، يساعده في تطوير قناعاته وتجربة موقف جديد.
وسبق للعراقيين ان جلدوا ذواتهم اكثر مما ينبغي، في مناسبات لا تحصى. واول الامور التي علينا استذكارها هي ان لدى الشعوب طاقة روحية محددة وقابلة للانحسار. وأن تعويض ما نقص من تلك الطاقة يحتاج بعض الوقت. وقد تعرض العراقيون الى استنزاف رهيب لطاقتهم الروحية، ومع ذلك فإنهم يبلون حسنا احيانا، ويقومون بالمزيد من التضحية لو كانت هناك خارطة طريق واضحة.
الشعب لم يلتقط انفاسه ولم يأخذ اي اجازة من الخسارات العميقة طيلة العقود الاربعة الماضية. لقد كان تيها تاريخيا فقدنا خلاله جزءا مهما من قدرتنا على امتلاك حلم صحيح، لكنه ليس موتا بالتأكيد، وإنما شعور بالانهاك العميق يولد "شكوكا عميقة بالتاريخ".
العراقيون لم يموتوا، والاعتراف بأننا نعاني نقصا في طاقتنا الروحية، ليس استسلاما لقدر، بل هو اقتناع ايجابي بأننا فقدنا الكثير من الثقة الضرورية بالتاريخ. وهذا بدوره ليس يأسا من المستقبل بقدر ما هو حاجة لإقامة علاقة جديدة بقواعد اللعبة.
في تجربة سحب الثقة من الحكومة، كان الناس يسألون: وماذا بعد ازاحة المالكي؟ وكذلك في استعدادات التظاهرات المهمة في شباط ٢٠١١، كان الناس يسألون: وماذا بعد ان تحتجوا وتعلو اصواتكم، ومن سيسمع ويتأثر؟ وهذه اسئلة امة اهتزت ثقتها بقواعد الزمن ولعبته، وعجزت عن امتلاك خارطة طريق للمستقبل.
لكن الشعب رغم شكوكه هذه، حاول ان يختبر المستقبل مرات ومرات. ذهب الى صناديق الاقتراع وصوت ضد الدستور او معه، وتابع سجالات الساسة على الشاشات.. ولا يزال يسأل عن الحركات فوق رقعة الشطرنج. وليس من السهل ان نقنعهم بكلماتنا المتفائلة، لكن عجزنا عن اقناعهم، وامتلاكهم احيانا مواقف ساذجة او مغلوطة، لا يعني انهم موتى. وقد قاطع كثير من ابناء الشعب، الاقتراعات الاخيرة في اطار هذا الشك التاريخي نفسه. لكن في ايدي النخبة اليوم ملامح تغيير من داخل شرعية النظام، يمكن ان تستثمر على احسن وجه لمحاولة جديدة مع الشعب الذي يشعر بأن ما تبقى من طاقته لا ينبغي ان تهدر في "معركة عادية". ان الشعب يراقب، وينتظر ان يرى امامه مشروعا موثوقا، لكي تتولد لديه قناعة بأن التضحية مشروعة ومعقولة، وان الاصلاح جاد وذي جدوى، وهذه هي واحدة من مهمات النخب ومراكز القوى.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram