اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مسرح > المسرح العراقي وفخ الرقيب..مقاربة لعروض المسرح العراقي في ظل الديمقراطية

المسرح العراقي وفخ الرقيب..مقاربة لعروض المسرح العراقي في ظل الديمقراطية

نشر في: 29 سبتمبر, 2014: 09:01 م

لم يكن المشتغلون بالمسرح ولاسيما المتميزون منهم يضعون مقاسات وضوابط لعروضهم تحد وتقلص وتلملم على قدر سعة الايديولوجيات التي تتحكم وتتسلط على قيادة دفة الأمور وتشكيل الحياة الحاكمة في هذا البلد او ذاك بل كان المبدعون يبحثون عن الرؤى المدهشة والعوالم ا

لم يكن المشتغلون بالمسرح ولاسيما المتميزون منهم يضعون مقاسات وضوابط لعروضهم تحد وتقلص وتلملم على قدر سعة الايديولوجيات التي تتحكم وتتسلط على قيادة دفة الأمور وتشكيل الحياة الحاكمة في هذا البلد او ذاك بل كان المبدعون يبحثون عن الرؤى المدهشة والعوالم المثيرة والمبتكرة مما لم يشاهدها او يتعرف اليها احد لخلق سحر اللحظة وإبهارها ولجعل ما ينجزون ويبتكرون موضع الجدل والبحث والسؤال . وما يقدمه المبدع لم يتأت من فراغ بل من اجتهاد واستقراء ومعرفة واعية لواقع الحياة المعاشة ولحقيقة الممارسة القائمة في كل ما يحيط الفنان والمثقف من مفاصل تدخل في صميم حياته وقد تحجمها او تعبث بها وفي واقع الحال ان البيئة تؤثر في النتاج الإبداعي سلبا او ايجابا اذ ان صاحب المنجز لايعيش حياة منفصلة عما يحيط به لذا فهو لابد وان يتأثر بالأجواء المحيطة التي تحييه او التي تكبله. والمسرح من اصعب الفنون واخطرها واشدها فاعلية في التأثير والتنوير والمواجهة لأنه يقوم على فن اللحظة وسحرها هنا الان في هذا المكان ومن هذه المساحة ومن خلال هذا الحضور واثناء هذه الايماءة .
 
(2) 
انه فن مراوغ وماكر يعبث بالقلوب والعقول بمهارة ودربة وخبرة المشتغلين به والعاملين بين كواليسه الواعين الحكماء الفلاسفة السحرة والكهنة والمهرجين المضحكين الضاحكين ولقد تحدثت في المقال السابق عن المسرح وافاقه وتصورات العمل فيه وتطرقت الى معاناة عدد من مبدعيه الذين غادروا المألوف ومدوا وشائج ود وهوى مع الحديث والجديد في الظاهرة المسرحية وكيف أنهم حققوا حضورهم ولفتوا الأنظار الى جدة ومغايرة عملهم ولأنهم كانوا كذلك لم تقدم لهم أكاليل الغار أو يرحب بهم كمبدعين مغامرين عابرين لجزر الرؤى المأهولة والمكتظة بالمألوف والعادي والساكن والمتكلس بل تعرض هؤلاء الى المتابعة والتشكيك والافتراء وحتى الترهيب المضمر عبر التلميح والاشارة والتحقيق , والعمل المسرحي يعتمد الجماعة في التحضير والمتابعة والانجاز, وهو لا يخضع الى مقاسات تحدد الافكار والاشتغال والرؤى اذ ان الحرية بأفقها الواسع غير المقيد بخطوط وعلامات حمر اوخضر او ساخنة او حارقة هي الحضن الحافظ والمحفز لقدرة المخيلة وتوقدها , ولكن في الجهة الاخرى حيث العيون المراقبة والمتلصصة والحانقة على كل ما له علاقة بحرية التعبير تصبح الامور قابلة لكل ما هو غير متوقع أو غير مقبول فالازاحة والاقصاء وارد ومعمول به تجاه صاحب المنجز والعقل الخلاق المبتكر ولان البيئة العراقية بيئة غير مستقرة وواضحة ولان الاضطراب والتحول والتعسف حاضر ومتسلط ومراقب لكل ما هو مغاير ومشاكس فان التشكيك والاختلاق والتشويه وصفات رائجة وجاهزة لمحاربة المبدع وازاحته . ولقد شهد المسرح العراقي العديد من هذه الحالات التي عرضت بعضا من مبدعي المسرح الفاعلين والمنجزين الى المساءلة والتشكيك والاتهام وحتى الى الاحالة للمجالس التحقيقية واصدار العقوبة الرادعة والمضيقة والمغلقة لابواب العمل امام هؤلاء المبدعين . وهنا لايكون الردع صريحا بل مواربا ومتقنعا بالحيلة والتسويف والالتفاف على مشروع المبدع والعمل على اعاقته كي لايبصر النور وادخال المبدع في دوامة الدفاع والحذر ودرء الخطر الذي قد يهدد حياته او ابواب عيشه , والمثير في الامر ان اصحاب السلطة يتخذون بعضا من اصحاب المهنة من الفاشلين والحاقدين أداة لتنفيذ أغراضهم في فرض قمع الرقابة الصارمة والمضيقة على رؤى المبدع وآفاق خطابه الفكري والوطني والامثلة على ذلك كثيرة ونحن هنا لانتحدث عن زمن دكتاتوري قائم على سلطة الفكر الواحد والصوت الواحد القامع لكل ما يتعارض وطروحاته وأهدافه بل نتحدث عن زمن الديمقراطية وحرية الفرد وعن حقه في التعبير والرفض والاحتجاج وهي قيم يحميها الدستور وتؤكدها مبادئ الديمقراطية الحقة وليست المعدة على حسب مقاسات أصحاب السلطة والقائمين على أمور العباد يوسعونها متى ما رغبوا ويضيقونها ان تعارضت مع مصالحهم وأطماعهم , ومنذ الاحتلال الاميركي للعراق وما اجتاحه من تسونامي قلب الثوابت واطاح بالتقاليد وفتح أبواب الفوضى الخلاقة مشرعة أمام الانصاف والمأزومين والناقمين والفاشلين تغلغلت الى الاوساط الثقافية والفنية نماذج من البشر ممن توهموا أن الديمقراطية تعني تزكية مواهبهم القاصرة والضئيلة والمحدودة ووضعها في دائرة الضوء ومنحهم الضوء الاخضر بازاحة وتهميش والانتقاص من المبدعين الذين تسيدوا المشهد الثقافي والفني بكفاءتهم وتميزهم وليس بالمحسوبية والتبعية وبوس اللحى , تغلغل هؤلاء الطارئون الحاقدون في مفاصل الحياة الثقافية والفنية العراقية ولاسيما في وزارة الثقافة التي تحولت من واجهة ثقافية لدعم الثقافة ورعاية المثقف والفنان الى دائرة امنية ومكاتب محاكم تفتيش بحكم العيون والآذان التي بثتها بين الدوائر والمؤسسات التابعة لها واصبحت ابواب الوزارة مفتوحة لاستقبال العيون والآذان من كتبة التقارير والمخبرين السريين والعازفين على الوتر الذي يطرب المسؤول الاول والوكلاء العاملون داخل اروقة الوزارة ومكاتبها المغلقة بوجه المثقفين والفنانين الحقيقيين الذين شعروا بعمق الهوة التي تفصلهم عن وزارة كان الذي يفترض فيها ان تكون ملاذا وحضنا يحتوي ابداعهم ويرعى اجازاتهم ويسعى لتواجدها في كل المحافل والملتقيات والمهرجانات العربية والدولية عوضا من ان تتحول الوزارة الى ضد مناوئ ومراقب وان يغيب مسؤولها الاول وتغدو الاوامر وتصريفات الادارة وتنظيم الاعمال بيد مدراء المكاتب والمقربين من اصحاب المناصب , لذا نشط المخبر السري والرقيب الامني واصبح المنجز الابداعي ضحية العقول المغلقة والنفوس المريضة والذوات الباحثة عن فرصة للظهور حتى لو كان ذلك على حساب المبدع العراقي وصاحب المنجز المعرف . والذي زاد الطيان بلة ورطوبة حد السيلان ان بعضا من المدراء العامين الذين تم تعيينهم في مناصبهم مع مجيء الاحتلال واندلاقهم مع من جاء بركبه ورضاه ارادوا ان يثبتوا ولاءهم واخلاصهم حتى وان قدموا رفاقهم ومبدعيهم اكباش فداء وضحايا على طريقة الجنرال في رواية "السيد الرئيس" وايضا ليتخلصوا من منافسين كفوئين قد يزيحونهم من مواقعهم التي ثبتوا عليها مؤخراتهم ويحرموا من المغانم والمنافع واللغف وما احلوه لانفسهم من سحت حرام هؤلاء كان لهم دور كبير في العمل على التأليب والتشكيك بما يقدمه المبدعون العراقيون الذين ادركوا بوعيهم وانتمائهم الوطني حجم الكارثة التي يقبل عليها الوطن وحجم المؤامرة التي تحيق به مادام المد الظلامي ومرتزقة الثقافة يتمركزون ويتسلطون في مواقع هم ليسوا اهلا لها لذا تشكل خطابهم المعرفي وفقا لرؤية ثاقبة ومسؤلة تنظر مستشفة وقارئة للقادم بتحليل وتمحيص ووعي لازيف فيه ولاخنوع , وهذابلورمن خلال ما قدم في المشهد الثقافي والفني العراقي خطابا فنيا متقدما يستمد رؤاه الجمالية والفكرية والفنية من واقع مضطرب وموت يومي واغتيال اهوج وقمع تعسفي وترويع منظم لم يشهد له العراق مثيلا الا في هذه السنوات العشر من عمر الاحتلال وما احدثه باسم الديمقراطية والحرية من فوضى وفساد وضياع للقيم ونهب للثروات وماهو ادهى وامر هو العمل المنظم والمبرمج لتشويه وتهجين هوية وطن وسرقة حضارته وتهديم ارثه وتراثه وشواخص اصالته عبر افلام هوليودية لعل اخرها داعش وسيناريو دخوله الى الارض العراقية وعودة الاحتلال الاميركي الى العراق ثانية وهذه المرة بدعوة المجتمع الدولي ومباركته وبدعوة ساسة العراق ومباركتهم بفعل الترويع والتنكيل والترهيب الذي قادته عصابات داعش التي تم تهيئتها وطبخ سيناريوهاتها في ستوديوهات البيت الابيض في امريكا الراعية والحامية للعراق بلد النفط والطاقة والثروات ولابأس ان يتم تقليل عدد السكان على طريقة داعش في تنفيذ مجزرة سبايكر وبادوش وهتك وسرقة واغتصاب الاقليات من مسيحيين وايزيديين وصابئة وشبك بعد ان نجح المحتل في زرع الفتنة واثارة النعرة الطائفية بين ابناء المجتمع العراقي الواحد وبنى وبنجاح ساحق دولة المحاصصة الطائفية , كل هذه الافلام والمسرحيات التي تنفذ على الارض العراقية تقبلها السياسيون العراقيون من برلمانيين جاء بهم الناخبون العراقيون الى قبة البرلمان الى السياسيين المتصارعين والمتعاركين والمتقاتلين على المناصب ومواقع النفوذ وحجم النافع لكنهم لم يتقبلوا ان يؤشر ويشير الفنان والمثقف الى مواطن الفساد ويحتج على عودة الديكتاتورية ويعري بيع الذمم وبيع الدم العراقي عبر العرض المسرحي أو اللوحة التشكيلية او القصيدة الشعرية او الشريط السينمائي بل أرادوا من الفنان والمثقف ان يغض الطرف عن كل المأسي والفواجع والمهازل التي تضرب بوطنه وان يتحدث عن الاحلام الوردية والمستقبل الآمن والحياة المنعمة وعن شباب غارق في بحور العسل وفرص العمل تنهال عليه حتى قبل تخرجه من جامعته وعن نساء يتهنا دلالا تحت ظل المساواة واحترام حقوق المرأة وعن طفولة ترتع في نهر براءتها بلا خوف او وجل وتلهو في العابها في مدن ملاه لاتقل روعة او جمالا عن مدن والت دزني وعن مواطنين يحمدون المولى ويعظموه اناء الليل واطراف النهار على ما أنعم عليهم بفضل حكمة سياسييهم من عدالة اجتماعية ومساواة انسانية , هذا ما كان يراد من المثقف والفنان العراقي ان يظل ظلا وتابعا وبوقا لنا يشتهي أصحاب النفوذ وأولي الأمر الذين ما وليناهم علينا ولكن الإرادة الأميركية هي التي ولتهم علينا وعلى أجدادنا وعلى أرجاء الوطن العربي المهيأ على مقاس امريكا وكل ذلك لغاية في نفس العم سام خطط لها منذ زمن الرحلات المكوكية للعم كيسنجر , لكن هذا لايتماشى ولايرضي العراقي النبيل صاحب العقل المتنور والقاريء العارف فكيف حين يكون فنانا ومثقفا حين يكون ضمير عصره والمعبر عن هموم الناس واحلامهم والمكتوي مثلهم بأوجاع الوطن ومآسيه لذا جاء الخطاب مغايرا ومشاكسا وحقيقيا ومنتميا للناس بكل الوانهم وطوائفهم مما حرك ونشط فعل المخبر السري والرقيب الأمني والانتهازي الباحث عن الفرص فكان ان تعرضت عروض مسرحية للمنع والإيقاف وتعرض فنانون للمسألة والتحقيق تحت حجج وذرائع واهية ولان التأريخ يكتبه أصحاب الحقيقة والحاملون لمسؤوليتها لابد ان ندون جزءا مهما من تأريخ ما حصل وما تم في المشهد المسرحي العراقي من منع وعزل وترويع بحق مبدعين عراقيين ارادوا للمسرح ان يكون مدرسة للتنوير والتوعية والمتعة الهادفة وسيكون للحديث تتمة وتواصل ما دمنا نعمل تحت حماية دستور كفل لنا حرية الرأي والتعبير والاحتجاج السلمي وستكون البداية الحديث عما تعرض له العرض المسرحي العراقي ( جنون الحمائم ) المأخوذ بتصرف عن مسرحية الكاتب الفرنسي ألبير كامو والذي قدم بالتعاون مابين دائرة السينما والمسرح والمركز الثقافي الفرنسي وقدم من على خشبة المسرح الوطني على مدى يومين للعام 2011 والذي كتبته وأخرجته كاتبة هذه السطور د عواطف نعيم.
للحديث تتمة

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram