في كل جريدة ومجلة محلية ، كان يمكن أن تقرأ له مقالا ..كنا نتندر حول مقالاته ونقول عنه إنه مصاب بالإسهال الكتابي ولم يكن يهمه ذلك وهو يحمل حقيبته الجلدية المتخمة بالمواد الصحفية ليوزع مادة هنا وأخرى هناك ثم يدور على الصحف والمجلات في نهاية الشهر ليلم ( المحصول ) ..كان الرجل معذورا فالحصار الاقتصادي في التسعينات حوّل الموظف الى كادح اذ كان اغلب الموظفين يمارسون اعمالا حرة بعد الدوام الرسمي لسد معيشة اسرهم ، وهكذا كان زميلنا الصحفي يعيش على ريع مقالاته من خلال التكريمات التي كان يتقاضاها الصحفيون المادحون وغالبا ماكانت تتراوح مابين 30-50 ألف دينار للتكريم الوزاري و100-250 ألف دينار للتكريم الرئاسي ،إذ كانت افكار مقالاته تصب كلها في بوتقة المديح فقط ..
بعد سقوط النظام السابق ، اصاب زميلنا الإسهال الكتابي مرة اخرى فصار يوزع مقالاته في صحف عدة مستغلا كثرتها وتعدد خطوطها ولم يعد ينتظر التكريم بل صار يلم محصولا وفيرا من المكافآت المقطوعة..مشكلة الرجل تجسدت في كيفية تبني أفكار خاصة به فقد كان يعتمد على فكرة واحدة في السابق ويطوعها لمقالات مختلفة ، أما الآن فقد صار يقتبس فكرة من هنا واخرى من هناك ليرضي حزبا هنا وكتلة هناك فيظهر ذلك جليا في مقالاته وتفضحه الافكار المسروقة لأن الفكرة كجواز السفر من السهل ان تكشف مافي كل منهما من تزوير ...
مؤخرا ، تبنى في إحدى الصحف موقف رئيس الوزراء الجديد الداعي الى مد أيادٍ بيضاء الى الاطراف الاخرى لتذويب الخلافات والإسراع بحل الازمات العالقة ..أيد تخليه عن جنسيته البريطانية وإيقافه قصف المدن العشوائي ورفضه التدخل الاجنبي برياً لقتال داعش وإحالة الضباط المتسببين في ازمات عسكرية الى التقاعد وغير ذلك ..لكني فوجئت به يطل من صحيفة اخرى ليهاجم موقف رئيس الوزراء من قضية قتال داعش داعيا الى إنزال اقصى العقوبة بالمناطق التي تتواجد فيها جماعات داعش حتى لو ضمت بين جنبيها آلاف الاشخاص المدنيين العائدين الى مناطقهم بعد نزوحهم منها لنفاد مالهم ويأسهم من إيجاد حل لمعاناتهم الانسانية ..
لم أستغرب موقف زميلنا الصحفي فهو نتاج التناقض الكبير الذي نعيشه جميعا والذي جعل للبعض وجهين ولغيرهم عشرات الوجوه بهدف تسيير أمورهم أو لمجاملة ذوي الشأن أو لغرض الكسب المادي ، ولن أستغرب ان يتبنى رئيس الوزراء السابق مهمة احباط مساعي العبادي ووضع العصي في دواليب حكمه فالرجل عاجز عن تحمل صدمة مغادرته مقعده الذي التصق به لثماني سنوات كاملة ، لكن ما أستغرب له حقا هو ذلك النسيان الذي يصيب البعض فيغفلون عن قضايا فساد فاحت رائحتها وأخطاء خطرة ارتكبها المالكي طوال تلك السنوات الثمانية وبدلا من محاسبته وفتح ملفاته الساخنة ، يهاجمون الحكومة الجديدة ....
ربما يمكننا ان نعذر صحفيا متلونا بهدف إعالة اسرته أو نسامح مواطنا يؤيد الباطل لأنه يجهل الحقائق لكننا لن نعذر يوما سياسيا يبتكر العوائق لإفشال العملية السياسية من دون أن يحفل بالشعب الذي يجسّد دائما وأبداً دور الضحية ..
موهبة التلوّن
[post-views]
نشر في: 29 سبتمبر, 2014: 09:01 م