اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > المبدع العراقي.. تتناساه الدولة ويتجاهله المجتمع

المبدع العراقي.. تتناساه الدولة ويتجاهله المجتمع

نشر في: 30 سبتمبر, 2014: 09:01 م

في كل عام تمر ذكرى المبدعين الراحلين مرور الكرام، فلا دولة تحتفي بهم، ولا مجتمع يستذكر إبداعاتهم العلمية، فظل المبدع العراقي أسير للدولة، فهي تعتبر نفسها المالك لكل شيء بسبب سياستها الريعية التي تقرر فيها ان ترعى من تشاء  ، اما وزارة الثقافة فان

في كل عام تمر ذكرى المبدعين الراحلين مرور الكرام، فلا دولة تحتفي بهم، ولا مجتمع يستذكر إبداعاتهم العلمية، فظل المبدع العراقي أسير للدولة، فهي تعتبر نفسها المالك لكل شيء بسبب سياستها الريعية التي تقرر فيها ان ترعى من تشاء  ، اما وزارة الثقافة فانشغل القائمون عليها بإقامة مهرجانات ثقافية نجومها مدراء عامون وسكرتيرات ومدراء مكاتب، فالعراق اصبح بلد اشباح بالنسبة للمبدعين فلولا خروج كاظم الساهر ونصير شمه وزها حديد لما رأيناهم بهذه النجومية العالمية التي وصلوا بمجالهم الى اعلى مراحل الإبداع في العالم.

وقد قررت الخروج الى الشارع لأسأل عامة الشعب عن المبدعين العراقيين فمنهم من تجاهل أمرهم ومنهم من قال لي "آني سامع باسمه بس ما أعرف هو شنو!"،

وأثناء سيري رأيت احد المارة وهو شاب ذو ثلاثة وعشرون عاماً سالته عن "العلامة الدكتور جواد علي وعلي الوردي فأبدى عدم معرفته بهذا الاسم وتساؤل من يكونون ، اعتقد انهم فنانون، وعندما سألته عن نصير شمه قال لي اعتقد ممثل، فيما لم يعرف تماما من هو محمد غني حكمت وطه باقر والجواهري، مبرراً جهله بأسماء هؤلاء بأنه يعيش في بلجيكا منذ صغره"
ومن ثم دخلت لمحل بيع وتصليح الساعات وسألت صاحبه الذي هو طالب في الصف سادس الإعدادي عن غائب طعمة فرمان وعبد الوهاب البياتي وجواد سليم فاستغرب ان اطرحه عليه هذا السؤال قائلا من هؤلاء سياسيون ؟ ، وعندما سألته عن المفكر والشاعر معروف الرصافي قال لي لا اعرف من يكن ولكنه استدرك اعتقد ان له تمثالا في شارع الرشيد، ولكن لم أسال نفسي يوما ماذا يعمل وحين سالته عن عالم الاجتماع علي الوردي قال لي ما به هذا الرجل وماذا يعمل؟ 
وبعد ان شرحت له من يكونون هؤلاء قال احمد "انا اجهل أي مبدع عراقي فلا اسمع أسمائهم مبررا ان الجهات الرسمية لا تهتم بهم ".
بعدها التقيت برجل في الخامسة وثلاثين من العمر وبدأت اسأله عن "علي الوردي فقال نعم انه حلل شخصية الفرد العراقي وعالم معروف وقرأت له بعض مؤلفاته، ولكنه احتار حين سألته عن نوري الراوي، فقلت له وماذا عن جواد سليم هل تعرفه، فقال نعم اعرفه وأشار بيده الى ساحة التحرير وقال ذاك النصب هو عمله في ستينيات القرن الماضي".
ثم قال "انا اعرف يوسف العاني فهو مبدع في مجال المسرح واعرف خليل شوقي كذلك مبدع في المسرح، واعرف نصير شمه الذي يعد من كبار عازفي العود في العالم".
المواطن الذي رفض الكشف عن اسمه وجهه اللوم والعتاب الى المؤسسات الرسمية التي تتجاهل دور المبدع في بناء المجتمعات 
أثناء بحثي عمن يعرف أسماء مبدعينا التقيت برجل يبيع السكائر فقلت له "هل تعرف العالم علي الوردي؟ قال نعم هذا عالم اجتماع، والجواهري قال نعم انه علم من أعلام العراق، والسياب قال نعم هذا شاعر وهو نهر خالد، وجواد سليم قال فنان تشكيلي وهو من عمل نصب ساحة التحرير، ونصير شمه قال لي انه مبدع يحمل أصابع ذهبية، ومن ثم قال لي انا قارئ مقام عراقي سابق قفلت له هل تعرف من هو سيف الدين ولائي فجهل اسمه وجهل من يكن.
وبعدها التقيت بأحد طلبة الإعدادية احمد عبد الحليم وسألته عن "علي الوردي قال لي اسمع به ولكن لا اعرف من يكن وفي اي مجال يعمل، ثم سالته عن مصطفى جواد وقال لا اعرفه".
وعن سبب عدم معرفيه بهولاء المبدعين وهو طالب قال لي "بالفعل انا طالب ولكن لم أرَ ولم اقرأ أسمائهم، في المناهج والدولة لا تعرفنا بهم، فدراستنا يشوبها التخبط والفشل، فلو مروا علينا في المنهج الدراسي لماذا لا اعرفهم واقرأ عن إبداعاتهم".
وآخر المتحدثين كان رجل يصلح ساعات فسألته عن المبدعين العراقيين فقلت له "هل تعرف من هو جواد سليم فقال نعم انه فنان تشكيلي وهو من عمل نصب التحرير في باب الشرقي، وهل تعرف علي الوردي فقال نعم انه عالم اجتماع كبير وحلل شخصية الفرد العراقي وقد درس في اميركا، وقلت له هل تعرف من يكن جواد علي قال نعم هذا الرجل علامة كبير وله مُفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام وقد درس في ألمانيا، ومن ثم سالته عن طه باقر فقال انه قارئ الطين ومؤرخ في مجال الآثار، وسالته عن غائب طعمة فرمان وفؤاد التكرلي فقال نعم انهم روائيين كبار فالأول لديه عمل النخلة والجيران التي تعد واحد من اهم المسرحيات العراقية". 
وتابعت الحديث معه وسالته لماذا تتناسا دولتنا المبدعين فأوضح إن "الدولة تهتم بالدعاية برجال الدين وما يطرحوه من أفكار وفي نفس الوقت نشاهد تقبل مجتمعي لذلك، فالذي كرس هذا الاهتمام هي الحملة الإيمانية التي اطلقها صدام حسين بعد ان رأى التوجه القومي يضمحل وينتهي فاتجه نحو الدين فهو تعمد تجهيل الشعب لكي يسهل عليه ان يسيرهم للطريق الذي يرغب به"، مضيفاً إن "القائمين على الحكم يحاربون العلمانيين والتنويريين والمتجددين وتهتم بالفعاليات الدينية والمذهبية تكريساً لنهجهم الطائفي".
وأكد ان "جزء كبير من ابناء العراق الذين هم من جيل الثمانينيات فما دون لا يهتمون للقراءة بسبب الحروب وما مر عليهم من ظروف سياسية واقتصادية مؤلمة".
الإبداع يعاني عجزاً كبيراً في المؤسسات الحكومية
وإلى ذلك يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة الدكتور أياد العنبر ان "ما يعانيه الإبداع في العراق هو وجود عجز كبير في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية المعنية بجانب الإبداع، فللتهميش تراكمات السنوات الماضية، فتوجد تقاليد قد ترسخت عبر الدولة وعبر المجتمع فهم يحتفون بالمبدع بعد مماته ولا يحتفون به وهو على قيد الحياة".
وعن أسباب جهل الدولة للمبدعين قال العنبر "العراق دولة ريعية فهي التي يمكن لها ان تحتوي الإبداع والمبتكرين وتحسب منجزاتهم من منجزاتها وتعد إبداعه مفخرة لها وليس للمبدع نفسه، وتجد الدول الأوربية لا تلعب كل الأدوار، عكس دولتنا التي تلعب كل الأدوار وتستحوذ على كل المنجزات".
وبخصوص العلاقة بين المبدع والسلطة ذكر العنبر "عندما اصبح الحديث عن المبدع والسلطة كان هناك تياران الأول يقول انه يجب ان يعتزل المثقف قضايا تتعلق بالسلطة، والثاني يعتقد ان يكون المثقف دور كبير بكل شيء وقد عبر سارتر عن هذه النظرة وقال على المثقف ان يدس انفه في كل شيء فيجب ان يكون له موقف في كل الحياة".
واختتم ان من تقاليد الدولة الشرقية هي "تحاول ان تقرب من يواليها وتبعد من يعارضها وهذا تصرف يقترب من مفهوم السلطة ويبتعد عن مفهوم الدولة، فالقطيعة بين المبدع والسلطة لها تراكمات فالمبدع او المثقف هو في اخر اهتماماتها".
الدولة همشت المبدعين بدرجة كبيرة
بينما قال رئيس الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، الدكتور فاضل ثامر ان "لمن المؤسف ان نقول نحن بشكل عام كعراقيين نعاني من هذا التجاهل بالوفاء للمبدعين عبر التاريخ، حيث كنا ان ننسى اسم الرصافي والزهاوي والشبيبي وعبد المحسن الكاظمي ولم تبقى الا أسماء محدودة نحتفي بها وهذا نوع من العقوق الوطني اتجاههم".
وأشار ثامر "في العقد الأخير لم تلتفت الدولة لتكريم المبدعين والعلماء وقد همشتهم بدرجة كبيرة وربما يرى البعض ان الدولة انشغلت بالملف الأمني والسياسي"، معتقداً إن "الدولة لا تملك استراتيجية واضحة إزاء المبدعين وذلك على مستوى الرئاسات الثلاث وحتى الهيئات والمؤسسات المعنية بالثقافة والتربية والتعليم".
وأضاف ثامر "انا اشكر مؤسسة المدى لما قدمت من فعاليات للمبدعين وتكريمهم وعمل ملاحق خاصة بهم والجانب الأهم هي ندواتها في المتنبي، ونحن في اتحاد الأدباء نحاول بين حين وآخر تكريم المبدعين ولكن رغم ذلك نحن مقصرين بحقهم"، وعد ان "التفاتة مكتبة الإسكندرية في الاحتفاء بالعلامة الدكتور جواد علي هي فعلاً التفاتة كبيرة من الجانب المصري، خاصة عندما كتب المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام وهو كتاب علمي وتأريخي انجز في فترة مبكرة من تاريخ التدوين في العراق وكشف هذا المفصل عن حقائق وصفحات كانت مطوية، فان الكثير من الدراسات الجامعية كانت عانة إلى حد كبير على هذه الموسوعة الثقافية". وتابع ان "الدولة بعيدة كل العبد عن المبدعين وهم خارج اهتماماتها وتعتبرهم كم زائد كونه لا يملك ميليشيات ولا سيارات مفخخة ولا يكون او يشكل تهديد للدولة، ولهذا هو مهمل من قبلهم"، مكملاً إننا "بحاجة الى لوبي ثقافي قادر على ان يفرض مطالبه على الدولة منها إخراج وزارة الثقافة من المحاصصة الطائفية وقد طالبنا ايضاً، بتأسيس مجلس اعلى للثقافة وتوفير حزمة من التشريعات تحمي حقوق المؤلف وتحميه من اي خطر، فأصل الدولة في الجوهر تعادي المبدع روبما في المستقبل ستصدر قوائم تكفير بحقهم لو أتاحت لها الظروف ذلك". وزاد "توجد مفارقة قد تبدو غريبة وهو ان البرامج الثقافية لكل الأحزاب تعترف بالثقافة والمبدعين حتى ان البرنامج الانتخابي كشف ذلك، وحتى البرنامج الحكومي للسيد العبادي انطوى على فقرة طيبة ولكن لا نرى تطبيق الى الآن".
الدولة تنظر للمبدع نظرة وظيفية
من جانبه أكد الباحث في مجال الأنثروبولوجي، علاء حميد، "ان تكريم مصر للمبدعين غير المصريين هو امر ليس بالسهل على مصر فليس من عادة مصر ان تكرم مبدعين من خارجها، فعندما تهجم عليهم أدونيس ببعض الكلمات، منعوه من ان ينزل من الطائرة التي نقلته الى القاهرة، فتكريم مصر للعلامة الدكتور جواد علي هو يعبر عن معرفتهم بمدى أهميته فكر ومؤلفات هذا العلامة الكبير".وبين حميد "بوجود نوع الجوف بين المبدع والدولة او بين المبدع والسياسي والى الان لم يحل هذا الإشكال، ولكن وبكل واقعية نحن لا نرمي كل الأخطاء على الدولة ولكن يوجد تقصير من بعض المبدعين والمثقفين فمنهم من ينطوي على نفسه ويبتعد عن المجتمع".
فلو عملنا إحصاء على نظرة المجتمع العراقي للإبداع "فسنرى ان الإبداع محصور على جانب الشعر والقصة والأدب، وهذا منجز محترم في تأريخ العراق، ولكن الإبداع لا يقتصر على هذين المجالين بل انه يتعدى ذلك ويشمل الفيزياء والتأريخ والتكنولوجيا ومجالات اخرى".
ونبه علاء حميد "منذ فترة والعراق لا يملك انجاز علمي، وهذا يعود الى سببين الاول ان الدولة لا ترعى الابداع وفي نفس الوقت يوجد فقر في الإبداع من جانب المبدعين والمشكلة في هذا الفقر ان البيئة الاجتماعية لا تساعد الابداع فهذه بيئة لا تحترم العلم، فان اهتمام المجتمع فيما يخص المبدعين والباحثين تجده بالاخير يحاول ان يتصل بالسلطة ويميل لها ولا يهتم ان يستمر بمنجزه وبحوثه ونحن لا نلتمس الابداع العراق الا عندما يخرج المبدع خارج العراق"، مستطرداً إن "الدولة تنظر للمبدع نظرة وظيفية لا اكثر، ونحن لا نملك اثبات ان الدولة كجهاز عام لديها حساسية ولكن النظام السياسي لديهم حسياسية بجانب الابداع، وهذا نلتمسه من خلال مدى اهتمامهم بالإبداع والعلم والجامعات والمناخ العلمي وهذه مفقودة الان، فالان النظام السياسي لا يرى اي فائدة كبرى للعلم والإبداع". وعن المعالجات التي يمكن ان تتبعها الدولة من اجل النهوض بالمبدعين قال حميد "يذكر العالم المصري احمد زويل الحاصل على جائزة نوبل في عام 1992 في مقال له ان احد شروط الإبداع هي البيئة العلمية، فللعلم علاقة بحل مشكلات المجتمع، على سبيل المثال ان العراق يعاني من الاختناق المروري وتعجز الدولة عن حل هذه المشكلة، بينما لا نجد محاولات للدولة ان تحتضن الطاقات العمرانية والخبرات لحل هذه الأزمة". وتساءل "ما معنى العلم في الثقافة العراقية؟ فمفهوم العلم عراقياً، هو الفقه والجانب الإسلامي منه وليس التقصي بالبحث والدراسة والتحليل، فنظرة المجتمع للعلم والعلماء هو جل ما يصله من الطبيب عندما يذهب اليه للتشفي، ولا يرى ان عبد الجبار عبد الله هو احد العلماء في مجال الفيزياء وهو واحد من اربعة طلاب كانوا لدى اينشتاين، ولا يرى ان عبد العزيز الدوري هو اهم باحث بالتاريخ الاسلامي او احمد صالح العلي ومهدي المخزومي الذي يختص باللغة فهو يتخيل ان العلم محصور لدى الطبيب ورجل الدين، فتبقى القضية هي معنى العلم لدى الناس وأهمية الإبداع في تفكيرهم، فنحن ما زلنا تحت ثقافة تقليدية يعتمد الطالب على التلقين يبدأ منذ النشأة وصولاً الى الجامعة".
ونوه الى "اغلب طلبة العراق الان لا يستطيعون ان يحللوا موقفاً تاريخياً بل يكتفي الطالب بحفظ رأي احد الكتاب وينقله على البقية، فهو اصبح ناقل للمعرفة وليس مكتشف لها"، وتأسف لقلة اهتمام الناس بالعلم حيث بين "في بغداد توجد مكتبة او مكتبتان تختصان بالعلم بمعنى تبيع كتب طبية وفيزيائية وتكنولوجية، وهذا يدفعنا الى التحليل الماركسي، حيث تجد الابداع العراقي فيه ان البنية التحتية بنية مهدمة غير موجودة، اما البنية الفوقية فهي الشعر والرواية والسيرة والقصة".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram