يخبئ مدير شركة نفطية عاملة في الرميلة هي بريتيش بتروليوم عقب سيجارته في جيب بنطاله الجينز بعد إطفائه طبعاً، ويسير سائق سيارته المصفحة بسرعة محددة بلوحات على جانبي الطريق، وشبكة الشوارع نظيفة، مرشوشة، تضاء ليلاً بمصابيح ولا أجمل منها، في النهار تعمل منظومة الري على رش الحدائق والجزرات الوسطية، المزروعة بأجمل الشتلات. ساكنو المنطقة من العراقيين والأجانب يتعاملون مع نظافة منازلهم بأحدث ما يكون. وبقطعة قماش معقمة يمسح عامل النظافة الآسيوي قبضة الباب الرئيسي ساعة خروجه. المكاتب أنيقة، ملونة، والموظفون أنيقون يتعاملون بتهذيب يذكرنا بعصر مضى. أشياء مما لا نجدها في المدينة نعثر عليها في موقع شركات النفط الأجنبية العاملة بحقل الرميلة.
لا يدخل الموقع إلا من يملك تصريحا بالدخول، ولا أحد يسير في شوارع الموقع بسيارته أكثر من 80 كلم في الساعة، فيما تنخفض السرعة إلى 20 كلم داخل الكامب، حيث يسكن الموظفون، يوجد جهاز مراقبة السرعة والمخالفات في كل سيارة، والكل ملتزم لأن نظام العقوبة لا يرحم فتكرار المخالفات ينتهي بالطرد من العمل في الرميلة. مطبات الطريق هي اللافت للنظر، فهي لا تؤذي احداً، لأن الشوارع بلا حفر، ولا نفايات أبداً، الشوارع نظيفة، خالية من قناني المياه الفارغة وعلب النايلون. وفي موقع الرميلة يرتدي الجميع ملابسهم بموجب التخصص الوظيفي فعامل استخراج النفط لا يخلع ملابس العمل لأن مستلزمات سلامته مشددة جداً. كنت أصغي لسائق التكسي الذي ظل يحدثني عن تجربته هناك والتي انتهت بطرده لأنه أخفق في امتحان القبول كسائق لدى إحدى الشركات.
تركتُ السائق عند نقطة وصولي وسط العشار، قلب مدينة البصرة مع غصة حقيقية أبلعها فلا أستسيغها، فتذكرت منزل خالتي ام رياض في محلة الومبي( الاصمعي) حاليا التي بنتها شركة البي بي للعاملين لديها بحديقتين امامية وخلفية، جالت عيني في شوارعها التي كانت نظيفة قبل نحو من نصف قرن ويزيد. كنت أركض في ازقة الحي الصغير فلا يعلق الطين بقدمي، أنا ابن الطين والوحل، القادم من اقاصي النخل بأبي الخصيب. وأشاهد الورد محفوفا بالآس في مساحة مربعة قرب الباب ومثله في المسحة الأخرى عند الباب الاخير. اتذكر ان الاطفال كانوا يلعبون ويمرحون وسط حدائق واسعة قرب السوق، والنساء يومئن لبائع النفط ولسائق التكسي بأذرع بضة بيضاء، خالية من وزر التحريم والتحليل. اما الرجال فتقف سيارة شركة النفط الصفراء امام بيوتهم وترجعهم عند الساعة الثالثة عصراً. ولا أقول بأن نادي النفط كان واحداً من أهم المراكز الاجتماعية هناك، حيث تأسست أولى لبنات المدنية في المدينة.
لا يبدو الحديث عن المستعمر لذيذاً، لكن منازل ضاحية المربد في الزبير التي لاتزال شاخصة إلى اليوم بطرازها (الجملوني) المقطّع من الداخل على هيئة غرف وملحقات إضافية أخر، يمنحني صورة أخرى للجمال، وما مدينة المعقل( ماركيل) بأقل جمالاً وتحضراً من أحياء هنا وهناك. هل نقول بان التهذيب في العيش من خلال نظافة الشارع والمسكن والحديقة العامة والطرق ومتطلبات الحياة الحق شان مستورد، غير قابل للتعريب او التعريق،أو التبصير(من العرب والعراق والبصرة)؟ هل ينبغي لنا ان نستقدم كل نصف قرن من الزمان شركات اجنبية نفطية تعيد لنا التفكير بأنماط حياتنا وترسم لنا شوارعنا وحدائق منازلنا ومخازن أمتعتنا؟ هل عجزنا عن إيجاد حكومة عراقية واحدة قادرة على تسويقنا للعالم بحيث لا يعيب علينا احد سلوكاً في عيش وسكن ومأكل ومشرب ومنام وقضاء حاجة ووووو؟
حين دخلنا موقع سجن بوكا بعد تسليمه للجانب العراقي من قبل الجيش الأمريكي بغية تحويله إلى ما يسمى بـ (مدينة البصرة اللوجستية) تعنى بإيواء كبار رؤساء الشركات الاستثمارية بحيث تقوم على توفير وتأمين كل ما يتطلب لسكنهم من ترفيه وخدمات بدلا من سكنهم في دول الخليج، اقول حين دخلنا كانت أعقاب السجائر تملأ فروج الحصي المنثور كممرات داخل(المدينة)، كنت شاهدتها نظيفة في زيارة اخيرة للسجن ذات يوم . انا لا أجيب عن أسئلتي. أنا حائر بما لدي وبين يدي وفوق رأسي. وكل عام وانتم بخير .
الحياة قرب الـ bpc
[post-views]
نشر في: 30 سبتمبر, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...