" حط الملح فوق الجرح يا شام وافركي الليمون وافردي شالك واتغندري بلبلة برد من كانون " . وتستمر الحياة ، فالفتنة هي الفتنة والحياة هي مجموعة أدوار لشخوص تتألف منهم المشاهد التي تحاكي الانسان، والتاريخ يعيد نفسه عبر الأزمنة ، وما يتغير هو إيقاع ال
" حط الملح فوق الجرح يا شام وافركي الليمون وافردي شالك واتغندري بلبلة برد من كانون " . وتستمر الحياة ، فالفتنة هي الفتنة والحياة هي مجموعة أدوار لشخوص تتألف منهم المشاهد التي تحاكي الانسان، والتاريخ يعيد نفسه عبر الأزمنة ، وما يتغير هو إيقاع الزمن تبعا لحداثة يسحبها الماضي لتراها الأجيال في حاضرها، ونستخلص منها العبرة التي أرادها المؤلف " خالد قتلان" بدراما تعكس أحداث سنة 1860 . "للشام ابواب سبع لا تغلق في وجه الريح، فهي تضع قناع حبيب فتعانقه وتشرع له الأبواب" . اعتمد المخرج " المثنى صبح " على اثارة الحس الوطني بجمالية ذات أركان أساسية انطلق منها بحبكة تاريخية تعيدنا الى وجه الشام التراثي ، وضمن سنوات هي بمثابة دراما بحد ذاتها .
اذ استطاع المؤلف " خالد قتلان " خلق حدث او فعل يظهر من خلاله التقارب الاجتماعي بين الأديان في دمشق خاصة او بالأحرى بين الناس من يهود او مسيحية او إسلام ، ضمن تعايش استمر تحت ظل الحكم العثماني آنذاك وتكاتف الجميع من كافة المذاهب والطوائف لمواجهة الظلم وبيد واحدة تؤمن بالله الواحد الأحد .
عيد استير ويهود الشام، وأيقونة بولس والاهتمام بالفن الأيوني الرسم والحرير الذي كان جزءا من تجارات مهمة في الشام. تعايش لا فرق فيه بين البشر وتراثيات شامية غارقة بشخصيات اجتماعية مرموقة مثل التاجر " يوسف النحاس" شيخ كار النحاسين الانسان باخلاقياته ، صفات يرسم من خلالها صورة المحبة التي تجمع بين البشر وبحكمة لا تخلو من فهم في التعاطي بالمشكلات التي تحدث في الحي الشامي بكل معطياته واحداثياته المأساوية التي تسبب بها ظلم الحكم العثماني الذي ساد آنذاك .
" طعم الموت في امر حقير كطعم الموت في امر عظيم " رحم الله المتنبي، وقدرة على جمع الأطراف الدرامية للمسلسل بنكهة أدبية هادئة مغلفة بقصص التاريخ التي تجمع أبناء البلد الواحد على المواجهة بشتى الطرق وبمختلف الأساليب ، وبموسيقى تصويرية تحاكي المشاهد بفنية دراماتيكية للموسيقي " طاهر مامللي" تتناسق مع الحوار والايماءات وسردية الحكاية الشامية التاريخية وتصويراتها الانسانية المجبولة بالأحداث المتشابهة مع أحداث يومنا هذا، وان بظروف معيشية اخرى " فالمثنى صبح" حاول التركيز على إظهار ما هو مخفي ومبطن في تصرفات البعض من المسؤولين الذين ساعدوا في إصدار القرارات، ومن ثم العمل على مساعدة الشعب قدر المستطاع لنشهد دراما حبكها " خالد قتلان" بفنية أدبية حملت من أنواع الأدب النتاج الصحافي آنذاك ما كان له الأثر في تغيرات وتحولات كثيرة.
الممثل القدير" غسان مسعود" والممثل" سليم كلاس" مع القديرة " انطوانيت نجيب" والممثلة" أمانة والى" مع آخرين انسجموا تمثيليا في شخوصهم التمثيلية والحكاية المحبوكة بخيوط تأليفية اخرجها " المثنى الصبح " بمشاهد استرجاعية تؤدي دورها في فهم الكثير من الأحداث التي يتركها غامضة حتى نهاية الحلقة، ومن ثم يسترجع لقطات تمنح المتلقي تحليلات كانت قد أثارت ذهنه حيث تشكل الأحداث قوة فعلية تؤثر على الايضاح الايحائي، ومن ثم الدرامي ليربط المشاهد بين ما يجري اليوم في المنطقة بشكل عام ، وما حدث في الماضي من أمور سياسية وانتهاكات انسانية أدت الى نهاية الحكم العثماني.
" الرب حكم علينا بالشتات" كلمات قالها" يوسف آغا" لحاخام بدران بعاطفة وطنية تدعو الجميع للحفاظ على هذه اللحمة المذهبية والطائفية للعودة الى التعايش والسلم وللتخلص بعقلانية وتفكير من كل ما يزج بالعرب بمختلف طوائفهم في معضلة بصعب الخروج منها، فهل نجح المؤلف " خالد قتلان" والمخرج " المثنى الصبح" مع أسرة المسلسل في رسم نماذج انسانية تحاول مساندة الوطن بشتى الطرق ؟ ام ان ثلاثية الأبطال " دريد لحام " و" غسان مسعود " و" سليم كلاس" رسمت ثلاثية اخرى. لشخوص من المجتمع الشامي المتعدد الأديان عشقوا الشام واخلصوا لها كما عشقوا التمثيل الدرامي واخلصوا له في مسلسل يجسد الحياة الشامية، وتقاليدها القديمة حتى بيضة النحاسة امتحان الصير لمن يريد الدخول الى كار النحاسين...
يقول ارسطو:"كل سعادة وكل شقاء لا بد ان يتخذ صورة من صور الحركة . فالغاية التي من أجلها نعيش هي نوع من انواع الحركة لا الدخول في صفة من الصفات" . حركة تمثيلية وحركة تصويرية وموسيقية ناشطة ومتأثرة بالنص الدرامي المليء بالفعل اولا. ما أدى الى ترابط النص مع الاخراج وبالتالي إسباغ الصفات الحركية على الممثلين الذين استطاعوا إدخال المشاهد الى المعنى الأساسي للشخصيات وتواجدها . ليتولد الحنين بالاشتياق الى زمن كانت المواجهات السياسية فيه اصعب مما هي الآن لضعف الوسائل المادية. إلا أننا الآن وبالرغم من الحداثة حولنا ما زلنا نتخبط في مفهوم المذاهب والطوائف وما يحدث من خراب في سوريا او أية مدن عربية اخرى.
اظهر الممثل القدير " غسان مسعود " ارقى أنواع الحركة الأدائية حيث التقمص الفعلي وبموضوعية أمام الفنان القدير " دريد لحام "الذي لم يتخل عن الضحكة المبطنة والهادئة ، والتمثيل الهادف الى إيصال رسالة تبقى مع الزمن ضمن دور الانسان في التمسك باخلاقياته الوطنية . اضافة الى الفنان " سليم كلاس" و" ضحى الدبس" وبتوأمة مع النص الذي أتقن حبكته " خالد قتلان" ليؤكد على دور الشام في منافسة اهم الدول الأوروبية انذاك. اضافة الى الصورة البصرية التي حققت الجذب البصري المشوق، وضمن حكايا الشام التراثية، وعاداتها وتقاليد بعمق فني ادرك " خالد قتلان" اهميته ليؤثر على المشاهد محاولا اعادة قراءة التاريخ لبث الوعي في عقل المشاهد العربي .
ان اعتماد الفكر الحركي في مسلسل (بوابة الريح) هو ما ساعد في نجاح المسلسل من قصة درامية محملة بالأدوات التراثية الحكائية الشامية القادرة على مواجهة الحدث، ومأساويته ليجمع بين ما هو سياسي، وما هو عاطفي بعقلانية درامية وضعت المشاهد أمام أحداث تاريخية مرت على المنطقة وتصدى لها اهل الشام بقوة شعب اراد الحفاظ على بلده، وبقوة تمثيلية استطاعت تأدية ما كتب في النص بفعل درامي جميل، واخراج حفظ قيمة النص الدرامي وموضوعيته.