أن يطرق بابك موظف يعمل في حماية البيئة وآخر في مكافحة القوارض في بداية الدوام الرسمي، وبعد انقضاء عطلة العيد مباشرة لأمر يستحق التوقف، لا بل الثناء. فقد فوجئت صباح أمس، والشمس بيضاء، لمّا تزل عالقة في ياقة الأفق الخريفي بفريق عمل يتقدمهم موظف شاب، أنيق، بسؤالي ما إذا كنت اعاني من وجود الفئران والجرذان وقوارض اخرى في بيتي او في البستان فأجبتهم: نعم، وهل يُعقل ان يخلوَ بيت عراقي من وجود الكائنات هذه؟ هي التي تقتات على نفاياتنا، فقال ضاحكا وما اكثرها اليوم.
قبل القصة الصباحية هذه بدقائق كنت قد أشعلت النار بتل نفايات تجمع في قطعة الأرض المهجورة قدّام بيتنا، في مشهد لا يسر أحداً ورائحة العيد لم تغادر ثياب الاطفال بعد، وقف إلى جانبي محييّاً موظف في دائرة البيئة، هو جارنا، أزعجه المشهد، كنت لا حظت انه يريد التكلم معي في موضوع شخصي، فراح يكلمني بلغة الوعظ عن أضرار الدخان ورائحة حرق النفايات التي تؤذي الاطفال ومرضى الجهاز التنفسي، ثم ذكر لي بان كيس النايلون الصغير هذا، يظل محتفظاً بخطره على البيئة وإن طمر فيها لمئات السنين. وحين وجدني مصغياً راح يكلمني بأكثر من ذلك، شارحا لي المستويات العالية عند الشعوب في معالجة وتدوير النفايات والطرق الحديثة في التخلص منها، ثم عرج على قضية المصنعات المنزلية والتي تعرض عندهم بصديقة البيئة.
سرّني أن أجد موظفا شاباً بالحرص هذا على البيئة، لكنه، وحين شعر أني بدأت أفهم من محاضرته التعنيف والعمل على التلوث، حاول أن يخفف من محنتي التي وجدني عليها، وقد فعلت النار فعلتها من حولنا، وصرنا نتحدث من خلال الدخان المنبعث منها قال: انا امارس دوراً توعوياً لا أكثر. ولا أريد أن احرجك في امر قد لا يستجيب له غيرُك. قلت له مطمئنا باني اتقبل نصائحه، وأشد على يده، وأشاركه الرأي في أهمية التوعية لأمر من هذا.
ما لا يعلمه موظف البيئة الطيب وما لم يشاهده فريق عمل مكافحة القوارض هو أني وعند الساعات الأولى من صباح اليوم ذاته كنت قد عدوتُ، مرهقاً أسحُّ حاوية النفايات الصفراء عشرات الخطى خلف سيارة البلدية، مستصرخ عمّالها بوجوب الوقوف عند باب داري يوميا، ورفع النفايات التي في الحاوية، ولم اجد حرجاً في إكرامهم بمبالغ صغيرة، وما لا يعلمه الجميع أني كنت انفقت مبلغاً لا بأس به العام الماضي كلفة تنظيف النهر الصغير قرب منزلنا من مئات القناني الفارغة والإطارات والعلب والاكياس، وما لا يدركه كثيرون أني أقف حائراً امام مئات الاكياس التي تأتي مع المد وتعود ساعة الجزر في نهر السراجي الجميل، والتي تلقي بها ربات البيوت من اللائي بنى أزواجهم المنازل والدور الحديثة على ضفتيه في ظن منهن أنهن إنما يتخلصن من النفايات عن طريق رميها في الانهار، وما لا يفكر به فريق عمل مكافحة القوارض وجارنا موظف البيئة أن حكومة تملك المليارات من الدولارات ينتخبها شعب عاجز عن التفكير بمصلحته، وبعد اكثر من عقد من الزمن عجزت عن حل قضية النفايات يذهب كل أعضائها حاجّين ماجّين طائفين عاكفين داعين الله ان يعينهم على حلها، لكنهم يردون في كل مرة، غير مستجاب لدعواتهم، وقد زكّوا أموالهم وخمّسوا المنقولة منها وغير المنقولة بما فيها بيوتهم وشركاتهم وبساتينهم وحتى عربات الدفع الرباعي التي اشترتها لهم الحكومة.
على صاحبيَّ (فريق مكافحة القوارض وموظف البيئة) وعلى الجميع بما فيهم انا ان ننتظر عودة رأس حكومتنا المحلية من أداء مناسك الحج، وقد مست يده الركن، عل الله أن يستجيب لدعائه في موافقة شركة التنظيف الكويتية على الدخول للبصرة وشروعها في عملية رفع النفايات من مركز وحوالي مركز المدينة. لا المدينة كلها !!! اللهم آمين.
أن تعجز حكومة ما عن تحقيق أمن البلاد قضية قد تبدو طبيعية، آيتها في ذلك أن المنطقة كلها مشتعلة وهناك الارهاب والقاعدة وداعش، وهي حجة يمكن تمريرها على شعب مغلوب على أمره لكن عجزها عن رفع النفايات وبعد مضي احد عشرا عاما فهذا ما يؤكد العجز والفساد ووجوب التغيير.
وأنا أسحُّ عربة النفايات
[post-views]
نشر في: 11 أكتوبر, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...