اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الغاضبون: لماذا نكتب عن الأغبياء؟

الغاضبون: لماذا نكتب عن الأغبياء؟

نشر في: 13 أكتوبر, 2014: 09:01 م

أحد القرّاء عاتبني لأنني تركت أهوال وأحوال وادي الرافدين، وخصصت هذه الزاوية خلال اليومين الماضيين للحديث عن جحيم سارتر وعذابات كامو، للقارىء الكريم أقول، لقراءة الأحوال، المشابهة لأحوالنا، أدوات كثيرة، منها العودة الى تجارب الشعوب، وما تفرضه هذه التجارب من المقارنات، وما تمنحه لأصحابها من أحقيّة في الشهادة على التاريخ، وكلما حدث حادث ذو طبيعة تاريخية، يعود الكاتب إلى قراءاته أو مشاهداته.
عندما أصبح الجنرال ديغول رئيساً لفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية كان من بين أوائل التوقعات أن يكون العسكر أول مَن يدخل معه الى قصر الإليزيه، لكن المفاجاة كانت في ان جنرال فرنسا أرسل في طلب ثلاثة من كبار كتـّاب باريس، فرانسو مورياك وبول فاليري وأندريه مالرو، فقد كان يؤمن ان مجد فرنسا لا يستعاد بأصحاب الرتب والنياشين، وإنما بإفساح المجال للعقول الكبيرة.
حين وقف مالرو أمام ديغول بادره الأخير بالقول:"المستقبل أولاً"وكان ذلك بالنسبة لمارلو مفاجأة. فهو كان يريد ان يقول للجنرال إنه خاض معارك من أجل العدالة الاجتماعية وذهب مع أندريه جيد الى برلين ليحتج في ساحاتها على إرهاب هتلر لأوروبا، وشكل مع رومان رولان اللجنة العالمية المعادية للفاشية، وقاد طائرة للدفاع عن إسبانيا الجمهورية، وشارك الصينيين ثورتهم، وانه منذ عامه العشرين انطلق خارج فرنسا باحثاً عن المغامرة الإنسانية.
بعد هذا اللقاء بربع قرن يختار ديغول العيش في إحدى قرى الجنوب، هناك يكتب في مذكراته"الى يميني كان وسيظل أندريه مالرو، إن حضور هذا الصديق العبقري يمنحني الشعور بأنني مغطى كليا".
يحيلنا مالرو، الذي دعاه البعض بملهم المقاومة الفرنسية إلى فكرة المثقف الملتزم، الذي ينقض المصلحة الأنانية بمثال أخلاقي مرغوب"على المثقف، كي يكون كما يجب، أن يواجه المجتمع المسيطر ببديل اجتماعي متحرّر من السيطرة، يتيح للإنسان، مهما كان لونه ووضعه ومعتقده، حياة مبرّأة من القمع والحرمان.".
في باريس التي عاد إليها جريحا يسأله ألبير كامو هل سنضطر يوما لأن نختار بين روسيا وأميركا؟ فيجيب بحدة "الاختيار لن يكون إلا بين فرنسا قوية وفرنسا ضعيفة مستباحة مهانة تبحث عمن يحميها."
عزيزي صاحب العتاب الرقيق، اقرأ صحف اليوم فستجد أنّ هناك اكتشافاً جديداً يقدمه لنا رئيس رابطة الشيوخ، وأتمنى عليك ألّا تبحلق في الكلمات تعجبا وتشمتا وتذمرا، نعم نحن لدينا رابطة لشؤون الشيوخ مثلما في العالم هناك رابطة لمشجعي برشلونة التي يسمونها في مصر"الالتراس". يخبرنا رئيس الرابطة من أنّ هناك فرقاً بين مناطق حزام بغداد وبين مناطق أطراف بغداد، وحسب التحليل الستراتيجي للسيد رئيس الرابطة فإن حزام بغداد يعيش بأمان واستقرار، أما المشاكل فهي في مناطق أطراف بغداد وهي الأقرب إلى أماكن التماس مع داعش، ولم ينس رئيس الرابطة أن يزفّ البشرى إلينا من أنّ هناك حائطا قويا يصعب اختراقه من قبل أية جهة تسعى إلى العبث بأمن بغداد..أما أمن وأمان الرمادي فلا يهم، سيتكفل الأصدقاء بذلك ، وماذا عن الموصل ياسيدي؟"إنسَ" وتكريت "انتظر"، وماذا عن الجيش ، ها قد عدتَ ثانية لحديث العبث وصخرة سيزيف!
يقول الجنرال ديغول لوزير ثقافته مالرو بيني وبينك هل هناك ما يستحق الكتابة عنه؟
ويرد مالرو: أتذكر أنّ غاندي قال لي يوما:أفضل للإنسان ان يناضل من ان يخاف..المهم ان نربح الحياة.
في الصفحة الأخيرة من رواية القدر البشري يكتب مالرو على لسان بطلها جيسور:"لابد من تسعة أشهر لصنع إنسان ويكفي يوم واحد لقتله.
ويسأله أندريه جيد لماذا لايوجد أغبياء في كتبك؟ فيجيب مالرو مبتسماً: إنني لا أكتب لكي أُثير الملل في النفوس، أما عن البلهاء فهناك الكثيرون منهم في الحياة.
نعم ياعزيزي القارىء اقرأ صحف اليوم وستجد أننا نعيش عصر الأغبياء بجدارة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. رمزي الحيدر

    شكراً على هذه الكلمات المتحضرة و التي تبعث نفس الحياة في أرواحنا اليائسة البائسة ، ولكن لا تنسى نحن نعيش في وطن ،مواطينه يعيشون على الخرافة ولا يعرفون من هو غائب طعمة فرمان.!!

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

الأحوال الشخصية.. 100 عام إلى الوراء

وظيفة القرن: مدير أعمال الشهرة والانتشار

العمودالثامن: يا طرطرا.."!

العمودالثامن: ماذا يريدون ؟

مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي.. في المنطق القانوني

العمودالثامن: درس تشرين ودرس بنغلاديش

 علي حسين ما هو الفارق بين ما جرى في تشرين عام 2019 في بغداد والمحافظات.. وما جرى في البلاد الفقيرة بنغلاديش خلال الأيام الماضية؟ في العراق جرى قتل أكثر من 700 شاب.. وجرح...
علي حسين

متى تتكلم الأغلبية الصامتة؟ وماذا بعد قانون الأحوال الشخصية؟

د.غادة العاملي يثار جدل واسع حول تعديل قانون الاحوال الشخصية وخطورة التداعيات الاجتماعية التي تسبب بها، ويبدو من السجالات والمناظرات والندوات التي ترافق النقاشات المرتبطة بقانون الاحوال الشخصية، ان حزمة قوانين اخرى تنتظر التمرير...
د.غادة العاملي

عشر أفكار حول تطييف قانون الأحوال الشخصية

علي المدن لا أحد يعلم على وجه الدقة انطباعات العراقيين حول مقترح تطييف قانون أحوالهم الشخصية، وأنا شخصيا لم أقرأ حتى الآن أي أستطلاع للرأي العام حول هذا الموضوع المعقد، وعليه؛ ستبقى مسألة مقاومتهم...
علي المدن

في مواكبة الـ (المدى)..

لاهاي عبد الحسين يوافق الاحتفال بالذكرى الحادية والعشرين لانطلاق "المدى" كمشروع ثقافي واعلامي وطني مسؤول مع الضجة التي أحدثها تقديم مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 في مجلس النواب العراقي. هذا...
لاهاي عبد الحسين
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram