لو أنّ العراقيين الذين انتظروا الخلاص من دكتاتورية صدام وتعسّفه أدركوا أنّ الأمور ستنتهي بهم إلى دولة تخاف من الاختلاط في الجامعات، ولو أنهم تصوروا أن تضحياتهم وسنوات العنف والإرهاب وعقود الظلم ستنتهي بالبلاد إلى أن يحكمها رجال يريدون أن يعيدونا إلى عصر الحريم والجواري، وأنّ التغيير الذي حلم به الملايين سينتهي إلى كائنات تُعشّش في عقولها خرافات القرون الوسطى تُرى ماذا سيكون قرارهم؟!
لعلّ السؤال الذي يشغل العراقيين اليوم: هل يمكن أن يتخيل أحد أنّ المسؤولين والساسة هم الذين يصرُّون على جرّنا إلى الوراء بحجّة الحشمة والأخلاق، من سوء طالعنا جميعا أن تتحول مؤسسات الدولة إلى ملكيات خاصة يمارس فيها المسؤول سلطة الأب الشرعي فيجيز هذا ويمنع ذاك. اليوم الكثير من سياسيينا يريدون دفع المجتمع إلى حفرة يغطّون عليها عُقدَهم وأمزجتهم الشخصية!
لقد خرج العراقيون وهم يبكون فرحاً بعد سقوط تمثال"القائد المؤمن"الذي كان يدفع بهم إلى المجهول والحروب، فإذا بهم أمام ساسة يديرون سراديب سريّة من التخلف والانتهازية واللصوصية، ساسة يستمدّون قوّتهم وسطوتهم من خطاب إعلامي وسياسي ينشر مناخ التخلف والطائفية المقيتة!
بعد أحد عشر عاماً من اللغو والخطابات التي انتهت صلاحيتها نجد أنفسنا وسط مسؤولين يسعون لإغراق حياتنا بكل ما هو مزيّف ويأخذنا السادة المسؤولون في دهاليز الاختيار بين العمل على تطوير مؤسسات الدولة أو إصدار تعليمات للحشمة ومراقبة زيّ الموظفات! تندلع الأسئلة مجددا مع الاشتباك الدائر حالياً حول تراجع مستوى التنمية والتعليم والصناعة والزراعة في العراق، هل نهتمّ بتحديث المجتمع وتطوير قدرات العاملين في مؤسسات الدولة أم ننتظر ما تقرره لجان شُكّلت في دوائرنا الحكومية لمراقبة لبس الموظفات؟!
أكتب هذه المقدمة وأنا اشعر بالاستغراب حين أرى صمت الحكومة أمام القرار"التاريخي" الذي أصدره وزير التعليم السابق علي الأديب بتأسيس جامعة للبنات حيث أخبرنا أن جامعة البنات ستكون لها إدارة نسائية وستفتح باب التعليم إلى البنات اللاتي لا تسمح عوائلهنّ بالدراسة لسبب الاختلاط مع الذكور.. قرار الوزير الذي جُوبه برفض الطالبات أنفسهنّ فرفعنَ شعاراً: لا للتقسيم!
والغريب والمثير أنّ الوزارة التي أصدرت قرار تقسيم جامعة بغداد هي نفسها التي أطلقت صرخات العويل والبكاء على ضياع أسس المجتمع المدني حين أصدر تنظيم (داعش) الإرهابي قراره بفصل الطالبات عن الطلاب ومنع الاختلاط.
وزارة التعليم العالي التي أرادت أن توضّح لنا موقفها من قرارات عصابات داعش في الموصل فإذا بها تستخدم الخطاب نفسه، والأغرب والأعجب أن نسمع عن تبريرات مضحكة لمثل هكذا قرارات قرقوشية من عيّنة أن"تجربة تأسيس جامعات خاصة بالبنات غير محصور في العراق، بل هي موجودة في أكثر من دولة متطورة،منها الولايات المتحدة الأميركية".
مضحك ومثير للسخرية أن يتصور البعض من المسؤولين أنهم ينتمون الى جماعات تتلقى أوامرها من السماء، وليست أحزاباً سياسية تَدين بوجودها لأصوات الناخبين، ومثير للأسى أن تُستخدم هذه الشعارات والقرارات للتغطية على نهب أموال الدولة وانتشار المحسوبية والرشوة!
لقد خرج العراقيون من ظلمات الحكم العثماني على يـــد فيصل الأول الذي أسس لدولة حديثة، وكان أحد أهم أركان هذه الدولة رجال للفكر المستنير. فلولا الجهود العظيمة لمحمد رضا الشبيبي والرصافي والزهاوي والكرملي وتلامذتهم، لما كان العراق الحديث المتنوّر، الذي عرفناه حتى بداية السبعينات من القرن الماضي، قبل أن تهجم عليه فلول قائد"الحملة الإيمانية".
أعرف وأُدرك أنّ وطناً يقوده فصيل من المتزلّفين والمتملّقين، مثل وطننا لابد أن يضع أصحاب مشروع "قندهار عاصمة عراقستان" في واجهة المشهد السياسي، الذي بدأت بشائره في تعيين مشعان الجبوري عضواً في لجنة النزاهة البرلمانية، ولن تكون خاتمته أن تُصبح وزارة المرأة من نصيب الاتحاد الإسلامي الكردستاني!
" فرمانات" داعش في وزارة التعليم
[post-views]
نشر في: 18 أكتوبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 5
مجيب حسن
لا تزعل يا سيدي ،فهؤلاء السادة ،داعشيون اكثر من داعش وكما يقول احمد مطر : كانوا على مَرِّ الزَّمانِ يُرونَنا فِعْلَ اللُّصوصِ.. ومَنطِقَ الزُّهّادِ ويُفَصّلونَ الدِّينَ حَسْبَ مَقاسِهم ثَوباً.. على جَسَدٍ مِنَ الإلحادِ!
ابو سعد
اين جعفر أبو التمن من هولاء؟ سيدي ان قادة المشهد السياسي يعتبرون العراق ملك رئس النظام السابق الفاسد القذر وعليه ان يعملوا مابوسعهم من أذكاء شعار الطائفيه والقوميه من اجل طمس الهويه الوطنيه العراقيه والسؤال اللذي يطرح نفسه هل يمكنهم ذلك ام الشعب العراقي ل
ابو اثير
ا لتغيير الذي ننشده ونريده لا يأتي عبر سياسي الصدفة والمرحلة الحالية مشوشة وضبابية ل ...فبعد أكثر من أشهر على الوزارة الجديدة برئاسة العبادي لم نلمس ونشعر على الواقع الذي نعيشه أي تغيير يطمأن المواطن العراقي عليه فلا زالت صور المالكي مرفوعة على نقاط السيط
مصطفى جواد
هل هي ازدواجية علي الوردي وهل تتصور ان مودعي المصارف الاهلية حين ذهبوا الى البنك المركزي مسؤول الرقابة ليشتكوا ضياع اموالهم كان الرد بالاهانة و توبيخ المودعين بسبب ايدعهم في المصارف الاهلية الربوية وباعتبار ان الفائدة حرام وهذا عقاب رب العالمين لمن تجاوز
داخل السومري
اعيد واقول من جديد ان داعش وطالبان والاحزاب الاسلامية الاخرى كلهم جميعا يطبقوا الاسلام ولم يخرجوا عنه قيد انمله.انها طبيعة الاسلام التي وضع فيها.ارجو ان لا يفهم من كلامي هذا اني ضد الدين،هذه هي الاديان وهذا وضعها، ولاكني ادع الى ابعاد الدين عن السياسه وجع