ماذا تفعل لو ولدت بين أبوين مصابين بالصمم بينما تنشأ طفلا يعشق الكلام وتكبر لتتحمل مسؤولية صمت والديك ؟..بهذه الطريقة تتساءل فيرونيك بولان في روايتها الأولى التي تعكس سيرتها الذاتية بأسلوب طريف ورقيق ..كانت تصعب على بولان الإجابة غالبا على هذا السؤال
ماذا تفعل لو ولدت بين أبوين مصابين بالصمم بينما تنشأ طفلا يعشق الكلام وتكبر لتتحمل مسؤولية صمت والديك ؟..بهذه الطريقة تتساءل فيرونيك بولان في روايتها الأولى التي تعكس سيرتها الذاتية بأسلوب طريف ورقيق ..
كانت تصعب على بولان الإجابة غالبا على هذا السؤال ، وعندما كانت طفلة صغيرة ، لم تكن تخفي على الآخرين إصابة والديها بالبكم والصمم بل كانت تشعر بالفخر من خصوصية حالتها التي جعلتها تشعر بالأهمية لمعرفتها لغة خاصة هي ( لغة الإشارة ) ..حين كبرت قليلا ، بدأت الأسئلة تتعبها ويجرح شعورها اعتبار والديها مثل حيوانات غريبة بينما كانت تعتبر الأمر طبيعيا وكانت تحبهما حتى لو أزعجتها وأخجلتها سلوكياتهما ..
تقول بولان ان اصابة الوالدين بالصمم ليست مأساة لكنها تجربة غريبة عبرت عنها في روايتها الحاذقة واللاذعة والرقيقة في نفس الوقت والخالية من الدموع وإثارة الشفقة ..وتكمن غرابة التجربة في شعورها بانها تعيش على حافة عالمين متوازيين لكن لكل منهما ردود فعل ولغة وقوانين مختلفة ..
على سبيل المثال ، كان يصعب على الشابة فيرونيكا ان تنادي والديها في الشقة ..كان عليها النهوض من مكانها والتربيت على كتفيهما او على الأقل ان ترمش بعينها لجلب انتباههما ..وعندما أصبحت مراهقة ، بدأت تستخدم وسائل اكثر فاعلية كإلقاء الأشياء على الأرض ، وما بين سن 14-18 عاما ، بدأت تلومهما لاصابتهما بالصمم ..وتروي بولان بدعابة كيف كانت تشعر بالسخط حين تضطر لمقاطعة أي عمل تقوم به كتمشيط شعرها او تنظيف أسنانها او ترتيب أغراضها لتذهب الى والديها وتتواصل معهما بلغة الإشارة لأن من المستحيل ان يغفل المرء حركة من حركات أيدي المصابين بالصمم اذ تكفي التفاتة واحدة خلال المحادثة لفقدان خيط الحديث وتسلسله ..
اعتبر النقاد رواية فيرونيك بولان التي تحمل عنوان ( الكلمات التي لم يقلها لي أحد ) أشبه بنص مسرحي كوميدي يضم الدعابة والعاطفة معا وينفع لتمثيله من قبل ممثل واحد ..وتروي بولان في روايتها قصة فتاة يمكن ان تموت من الضجر في شقة غارقة في الصمت أو أن تصبح مجنونة من الضوضاء التي يحدثها والداها دون ان يسمعاها ..وتضع بولان نفسها وسط المشهد بمهارة فهي الشخصية التي تسمع وتتحدث مع والديها المصابين بالصمم معبرة عن شعور بالتناقض لحرمانها من سماع صوتهما ..
أحدثت رواية بولان الجميلة الصادرة عن منشورات (ستوك ) بمئة وأربعين صفحة وقعا جيدا على القراء والنقاد معا ..
بولان هي واحدة من 88% من الأطفال الذين يولدون لأبوين مصابين بالصمم هما جان كلود وجوزيت ..عندما كانت في الخامسة عشرة من عمرها حين ترك والدها عمله كميكانيكي وانشأ مسرحا للصم والبكم مثلت فيه فيرونيكا ايضا ..ويقول جان كلود لابنته فيرونيك في شريط فيديو : " كنت أتمنى لو كان لدي طفل أصم فالاتصال معه سيكون افضل بالتأكيد ، لكني مع ذلك احب ابنتي فيرونيك كثيرا " ..ولدى فيرونيك عم أصم ايضا هو غي بوشوفو وهوممثل كوميدي معروف في مسرح الصم والبكم ..
لقد كشفت لنا هذه المرأة التي تتأرجح بين الفخر والخجل والغضب عن تجربة ثرية اكثر مما هو مألوف لدينا ونادرة ايضا بجمل قصيرة ومجردة من الزوائد مثل لغة الإشارة وهي ذات إيقاع سريع ومتشنج ، وتمتاز كلمات بولان بصدى مؤثر وحساسية كبيرة وحنان عظيم ..ويشجع نص الرواية القوي على التسامح والانفتاح على الآخرين المختلفين عنا ..
وتعبر بولان بصدق عن شعورها بالحرمان من سماع صوت والديها وأمنيتها منذ طفولتها ان تسمع منهما كلمة حب ورغم انهما يحتضنانها باستمرار لكن لغة الجسد ليست كافية فللكلمات وقع خاص لدى الأولاد والفتيات خصوصا ..مع ذلك ، لايمنع وجود الإعاقة من إيجاد وسائل للتعبير عن الحب ولتبقى الروابط قوية بين أفراد العائلة..