TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > لا الترحال بغيتنا ولا المكوث في السراب

لا الترحال بغيتنا ولا المكوث في السراب

نشر في: 18 أكتوبر, 2014: 09:01 م

غريب أينما يعصف بك النوء أيها القلب، مستوحش وسط الحشود ، لا المدن تغيثك ولا الوصول مرامك ، لا الترحال بُغيَتك ولا المكوث في السراب ، برهةٌ من نور قد تحملك إلى المرتقى ، برهة من العتمة قد تختم الحكاية ، فلا توصد الكلمات على قلبك أيها البحر ...
1
لو كنت بحرا ، إذن كنت سأمضي موثقا بأنين الغرقى تحاذيني صيحات القراصنة من شاطئ إلى ميناء ، لو كنت بحرا لكان الملح حارسي من عفن الوجود والتحلل في حياة لم تعد تصلح لإنسان ٍ ولكانت طبيعتي احتضان الأنهار ومقاومة النوء ، ولَكان في أمدائي السحيقة متسع للنقائض والأهوال والكنوز، ولكنت حراً أنتسب للقارات بمشيئتي: لا عِرق أنتمي إليه ولا أسلاف يحاصرون حاضري بالأسماء وأكاذيب البطولة وترهات القبيلة والأقوام الفضلى ، لو كنت بحرا لكنت وطن نفسي وغايتها واكتفيت بذاتي: ماءً يعانق السماء وتستحم فيه النجوم والشهب ، لو كنت بحرا لحملت المدن إلى أحلامها والنساء إلى قصائد العشاق والسفن الى مقاصدها أومصائرها ، لو كنت البحر لما أصغيت لهذر الايديولوجيات ولا ابتليت بخيانات البشر وتفاهات السياسة وخذلان الأرض المسماة وطنا ، هذه الارض التي لا تكتفي بإذلالك وتهديد حياتك بل تسلمك للمتاهة في أوان العصف.
2
تراودني لذعة البرد الجبلي أنا المترنحة على ضفاف الزمن ونهايات العمر ،تُهمْهِم لي الجدران الغريبة وأسيجة الياسمين وطنين النحل ، تهيبُ بي غيوم الصباح المذهبة: ها أنت تجوبين المدن ، ها أنت تترحلين عبر المواسم والأحلام كما شاءت لك النبوءات والرؤى ، ها أنت تكتشفين الجهات وتحاورين البشر والبحر والسماء ، فعلام التأسّي ؟؟ علام توصلين الدمع بالنحيب كلما أشرقت شمس أو بزغت نجوم أو تراءى في الأفق هلال وليد ؟؟
تقولين الوطن ؟؟ ما الوطن ؟؟ مفردة عاجزة من لغات الناس ، ابتذلها الطغاة والمبشرون بالنعيم المستحيل ، كلمة تعكز عليها القتلة والفاتحون ، كلمة أُعلـِنت الحروب والمجازر على إيقاعها ، كلمة ماعادت غير أيقونة مقترنة بالألم البشري ومصادفات الموت على الهوية.
تهمس لي همهمات الريح في شجر الزيتون وتغريدة الطائر أسود الجناح – أتعرفين ما الوطن بعد كل هذا وذاك ؟؟ ماعدت أعرف شيئا أيتها العاصفة ، لعله اسم أسطورة عتيقة اشبعتنا حلما وتوهمات ٍ، لعله جرعة المخدر التي يسقوننا إياها ونحن نواجه طفولتنا وتفتحنا وصبانا المهدور ، أم تراه خديعة اللغة إذ تزين لنا الحرب على أنها مأثرة ؟؟ أوهو أكذوبة المعنى إذ تتداوله التأويلات والتفسيرات المراوغة ودجل المساومين على التربّح ؟ ، ربما هو تاريخ الدم المسفوح في كل عصر على عتبات النساء ، وهو الرؤوس المقطوعة تشير إلى تغول المتوحشين ، و هو جثث الأبناء تلقى في النهرين العظيمين لتطفو على إيقاع نحيب الثكالى ؟؟
3
المدن كلها أكّالة قلوب البشر، مع مكائدها تتضامن رياح عولمة وحسابات سوق ، ومن مخالبها يومض جشع الدهور، نترحل بينها كأشباح هاربة من التيه وإليه ، نخادعها بضحكة أو ادعاء بهجة لئلا تفتضح جراحنا المعتقة، نُموِّه فيها نشيجنا المكتوم ،وبغتة تخطفنا أمواج دجلة و يفتننا حفيف النخل لنستغرق في حنين طفولي أخرق ، فسواء هنا أوهناك وأينما تلقي بنا دوامة المتاهة حيث لاوطن وحينما لاخلاص ولا نجاة ، سوف تتكشف لنا الحياة فخا مغويا والانتظار خدعة والأمل أحبولة شوق ، فلا الترحال بغيتنا ولا المكوث في السراب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: أحلام المشهداني

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

قناديل: بغدادُنا في القلب

عنوانان للدولة العميقة: "الإيجابية.. و"السلبية"

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

 علي حسين ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية " ، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا...
علي حسين

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
د. فالح الحمراني

السرد وأفق الإدراك التاريخي

إسماعيل نوري الربيعي جاك لوغوف في كتابه "التاريخ والذاكرة" يكرس الكثير من الجهد سعيا نحول تفحص العلاقة المعقدة، القائمة بين الوعي التاريخي والذاكرة الجماعية. وقد مثل هذا المنجز الفكري، مساهمة مهمة في الكتابة التاريخية،...
إسماعيل نوري الربيعي

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

توماس ليبلتييه ترجمة: عدوية الهلالي بالنسبة للبعض، تعتبر الرغبة في استعمار الفضاء مشروعًا مجنونًا ويجب أن يكون مجرد خيال علمي. وبالنسبة للآخرين، فإنه على العكس من ذلك التزام أخلاقي بإنقاذ البشرية من نهاية لا...
توماس ليبلتييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram