أن تأتي متأخراً خير من أن لاتأتي أبداً، ينطبق ذلك تماماً على قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس الأخير، بتشديد العقوبة على من يبيعون أملاكهم للإسرائيليين، وخصوصاً في مدينة القدس التي تتعرض لهجمة استيطانية واسعة النطاق، وبالرغم من أن قانون العقوبات الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية، يحكم بالإعدام على الخونة والمتهمين بتحويل المواقع للعدو، وأن المحاكم الفلسطينية تحكم بالإعدام على سماسرة الأراضي المذنبين, فإن عباس لم يوافق على تنفيذ أي حكم بالإعدام، منذ انتخابه قبل عشرة أعوام، لكنه فرض عقوبة السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة على كل من يحول, أو يؤجر أو يبيع الأراضي لدولة معادية أو أحد افرادها، علماً بأن القانون الأردني الذي كان سائداً في الضفة الغربية قبل احتلالها، كان يحكم بالعمل الشاق المؤقت لمرتكبي هذه الجريمة.
جاء القرار استجابة للغضبة الشعبية، على بيع 26 منزلاً في حي سلوان في القدس الشرقية لمؤسسة العاد الإسرائيلية، المختصة بإسكان اليهود في المدينة المقدسة، وبيع مبنيين لمؤسسة عتيريت كوهانيم التي تقوم بنفس المهمة، ولايراودنا الشك بأن أصحاب هذه العقارات لم يكونوا على علم بأنها ستؤول للمنظمتين الإسرائيليتين، ذلك أنهم باعوها لفلسطيني نعف عن ذكر اسمه، وعبر تحايلات لا تمت للشرف بصلة، شاركت فيها شركة أجنبية اسمها كودرام عبر وسطاء كاذبين، لكن ذلك لايمنع من توصيف حالات بيع العقارات المقدسية بأنها خيانة عظمى، تستحق سن كل التشريعات الرادعة لمنعها، إضافة إلى وجوب مقاطعة البائعين شعبياً وفضحهم وإذلالهم على كل الصعد.
نشد على يد حركة فتح، وهي تؤكد أن من سولت لهم أنفسهم المريضة بيع أرضهم أو بيوتهم، أو سهلوا عمليات البيع لأعداء الشعب الفلسطيني، هم ثلة خونة لأرضهم ووطنهم ودينهم، ارتضوا لأنفسهم الخزي والعار في الدنيا والآخرة، ذلك أن "الرجل يموت ولا يبيع شرفه وعرضه وكرامته ولا يخون أقدس أرض في العالم، جُبلت بدماء الأنبياء والشهداء علي مر التاريخ، أما الذين ارتضوا لأنفسهم العار والخيانة والذلة فإن مصيرهم الموت المخزي والمذل"، وجدير بالذكر أن ناشطين فلسطينيين اختطفوا مقدسيين باعوا عقاراتهم للإسرائيليين، وأجهزوا عليهم خارج القدس التي لا يطبق القانون الفلسطيني فيها، وأسماء المختطفين معروفة للجميع وعملياتهم الخيانية ثابتة وهو يستحقون مصيرهم الأسود.
كنا نقرأ أن اليهود قبل قيام دولتهم اشتروا أراضي مستوطناتهم الأولى من الفلسطينيين، وكانت الأحاديث تدور عن بيع لبنانيين بالتحديد مساحات شاسعة من أراضي الجليل، وأن واحداً منهم باع عشرات ألوف الدونمات وأنشأ بثمنها سوقاً في بيروت يحمل اسمه، لم يكن ذلك يشكل جريمة قبل قيام الدولة العبرية، ومعروف أن مجمل ما ابتاعه يهود ذلك الزمان، لايزيد على أراضي قرية واحدة تم اغتصابها وطرد سكانها منها، وليس سراً أن مئات الفلسطينيين الذين هُجّروا من وطنهم، يحتفظون بالوثائق العثمانية التي تؤكد ملكياتهم، ويحتفظ الكثير منهم بمفاتيح بيوتهم التي هُدم أكثرها أو تحولت إلى خرائب وأنقاض، والمؤكد أن كل وطني فلسطيني يعتبر بيع الأرض للإسرائيلي جريمة تفوق بشاعتها أي جريمة أخرى.
تتدنى نفوس البعض فيبيعون عقاراتهم لإسرائيل، أو يسمسرون على بيع عقارات غيرهم في عمليات احتيالية، لكن هؤلاء لايستطيعون اللقاء في فلسطين، فيهربون من مصير مؤكد هو القتل على يد أبناء وطنهم، وهل للخيانة عقوبة غير القتل؟
سماسرة الأرض المقدسة
[post-views]
نشر في: 22 أكتوبر, 2014: 09:01 م