بعد ما يقارب الربع قرن أمضاها الجنرال عمر البشير رئيساً للسودان، الذي انقسم خلالها إلى سودانيين وما زال قابلاً لمزيد من التقسيم، وبالرغم من إعلانه سابقاً عدم تمسكه بالترشح لمنصب الرئاسة مرة أخرى، لأن السودانيين يريدون دماءً جديدةً ودفعةً جديدةً كي تتواصل المسيرة، كما كان يقول، فإنه قام بتمثيلية سمجة للبقاء رئيسا بعد انتهاء ولايته الحالية العام القادم، وهو للتذكير بات سيد القصر عبر انقلاب عسكري سماه حينها ثورة الإنقاذ، أي أنه وصل الحكم على ظهر دبابة، لكنه راغب بالمواصلة عبر تمثيلية صندوق الاقتراع المعروفة نتائجه سلفاً، لأن كل أحزاب المعارضة ترفض المشاركة في مهزلة الانتخابات، التي بدأت بمسرحية مجلس شورى حزب البشير الحاكم، حيث جرى اقتراع سري لاختيار المرشح للرئاسة، من بين خمسة لا يملك غيره حظ الفوز فيه، ولكنه شكلياً تعبير عن الديمقراطية وحرية الاختيار.
لم يتعظ البشير ولم يتعلم الدرس، وهو يتابع سقوط الحكام الدكتاتوريين من أمثاله على يد شعوبهم التي ثارت وأطاحتهم، بعد بطشهم وظنهم أنهم مخلدون, أغمض عينيه عن المشهد السوداني الدموي المثقل بالمشاكل، وتلتهب فيه الحرائق واهتراء نسيجه الاجتماعي، وهو لا يبالي بانهيار الحوار الوطني، بعد أن رفضته أطياف المعارضة، باعتباره مناورة لشراء الوقت وترحيلاً للأزمات، واستمراراً لنهج الاستئثار والإقصاء الذي كرّسه طوال فترة حكمه، الذي حاول خلاله أسلمة السودان، بمن فيه أبناء الجنوب، ما قاد في آخر الأمر للانفصال، وكأنه في برج عاجي بحيث لا يرى ما جنته سياساته من إفقار مواطنيه، وتفشي البطالة المترافق مع ارتفاع الأسعار، ناهيك عن تردي علاقات الخرطوم مع دول الجوار، والاكتفاء بعقد تحالفات مع الحركات الأصولية العربية، في حين كان البعض يظن أن التغييرات في أعلى هرم السلطة، والإتيان بجنرال في الجيش إلى القصر الرئاسي ليخلفه، بهدف الاطمئنان إلى أن الرئيس الجديد لن يتخلى عنه، ولن يسارع إلى تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية، أو يتم تقديمه للمحاكمة في الخرطوم، على ما اقترفت يداه بحق البلاد والعباد.
يُقال إن السرية التي فرضها حزب البشير على اجتماعات مجالسه القيادية، ووصفها بأنها تمارين ديمقراطية، تؤشر في الواقع إلى وجود خلافات عميقة، بين من ينادون بتغيير القيادة ومن يتمسكون بها، ورأى فيها البعض مؤشراً لما يمكن أن يحصل في المرحلة المقبلة من عمر الحزب الذي عانى كثيرا من الانشقاقات، كأغلب الأحزاب السياسية السودانية، وكان مُنتظرا منه طرح قيادات شبابية تقدم أفكاراً جديدة ومختلفة، بدل طرح أسماء لم يتوقع أحد عودة أي منهم إلى المسرح السياسي، ما يؤكد اتساع الفجوة بين الحزب والشعب، والتباين بين مكونات الحزب المختلفة، خاصة مع ظهور تيارات شبابية، ظلت تنادي بالتجديد في هيكل القيادة بكامله.
هل ثمة من تداهمه المفاجأة جراء تراجع البشير عن وعوده بعدم الترشح مجددا والاكتفاء بربع قرن، لا نظن ذلك، لأن الرجل كان بذل العديد من الوعود المشابهة، لكنه تراجع عنها دون أن يرف له جفن، وهل هناك من سيتفاجأ حال إعلان فوز البشير؟، أيضاً لا نظن، فالجميع يعرف سمة الانتخابات عند أمثاله، ويتذكر نسب التسعات في الفوز، وهي نسبة كسرها صدام حسين، حين أعلن نائبه فوزه بنسبة 100% من أصوات الناخبين، لكن المؤكد أنه سيكون فوزاً بطعم الهزيمة، وأنه سيظل عرضة لإطاحته وتسليمه للعدالة.
البشير رئيساً مرةً أخرى!
[post-views]
نشر في: 25 أكتوبر, 2014: 09:01 م