TOP

جريدة المدى > عام > المسرح النسوي في عرض انترفيو

المسرح النسوي في عرض انترفيو

نشر في: 26 أكتوبر, 2014: 09:01 م

في العرض المسرحي (انترفيو) تظهر الممثلة (آلاء حسين) قدراتها الأدائية بطريقة جذابة تحترم فيها كرامة المرأة، وقد أعدت (مادة) العرض من كتاب ((عيون انانا)) لكنها حولت مفردات اللغة المكتوبة الى لغة بصرية مغايرة، ونقلت النسق الكتابي الى نسق (تداولي) متفرد،

في العرض المسرحي (انترفيو) تظهر الممثلة (آلاء حسين) قدراتها الأدائية بطريقة جذابة تحترم فيها كرامة المرأة، وقد أعدت (مادة) العرض من كتاب ((عيون انانا)) لكنها حولت مفردات اللغة المكتوبة الى لغة بصرية مغايرة، ونقلت النسق الكتابي الى نسق (تداولي) متفرد، يخص (كينونة) المرأة العصرية، والحرمان، بتدفق عواطفها ومشاعرها والتلذذ بمعايشة إحساسات إنسانية حميمة، أرادت التخيلات المرضية باعتلالها، ان تصادر روحها الشفيفة الرائقة بعذوبة الخصب الأنثوي، الذي تمتد أغصانه الى حياة مستقبلية مورقة، لا يهادن الوباء المنحرف لدعاة ظلاميين، يزجون أحلام الحياة، في قفص هذياناتهم و رثاثة أيامهم البغيضة الكالحة، مثل مرض الطاعون ووباء (الايبولا)، فهي ترفض الانصياع لابجدية الموت، وتقاوم بكيانها الحريري، وبضحكتها الساحرة وتدفق الدم في عروقها، هذه المقبرية المدججة و بسلاح الجريمة والعتة والسفالة.
 
كائنان، امرأة ورجل، تحف بهما روح الحياة البريئة أشبه بالخليقة الاولى، التي تبث ثغراتها في اجيال انسانية متلاحقة، لتنمو بانسانيتها الى فضاءات مفتوحة، ومتقدمة بجسارة تطلعاتها الثقافية، لتختار بمسؤولية نمط الحياة الذي تريد وسط عتمة (تابوات) قامعة لمغزى الحياة.
اثنان يتلهيان بالضوء، الذي صمم خطوطه (محمد رحيم) على رقع مستطيلة، هم يخطونها بتألق الواقع المعتم، وينتظرون مزنة ترش قطراتها الندية على عالم صغير يجمعهما في عش واحد، يتقلبون فيه بشهوة الحياة ولذائذها وعنفوانها وآمالها وصراعاتها، وينجح المصمم الضوئي، بخلق عوالم على مقاس (بورتريت) لكل واحد، او لكل زوجين اثنين، في سفينة نوح المبحرة في ذاكرة الإنسان ومدن أحلامه القادمة.
ترى البطلة وهي تترنم بشعر أغنيتها، تصبح بصرياً وكأنها (الظل) ويصبح ظلها على الشاشة، اكثر واقعية، وحضورا منها! على المسرح ينطفئ الانسان الحي، الذي تمثله البطلة، التي تراها على الشاشة، واضحة الملامح، بهية الطلعة، تواقه الى الفرح، والجمال، وغبطة الحياة.
ثم ينعش العرض، القوام البشري، الراقص، الذي صمم حركاته بمهارة حرفية وعناية دقيقة الفنان (موشكان هاشميان) . هذا النظام (الكيوكرافي) يذكرنا بجماليات (الأرابسك) التجريدي الذي يكتسب من اجساد الممثلين، هويته الحقيقية من خلال الضوئية على الشاشة، وثنائيات التحاور بين المسرح والشاشة، والممثلة وصورتها، وكذلك الممثل وقرينه، ليتضاعف العدد الى (اربعة). تكوين يجمع في اطاره البصري الواقعي والمفترض، كلا من ، الممثلة الرئيسة (آلاء حسين) و (سعد محسن) مع ظلال (كامل ابراهيم) و (شيماء جعفر) على الشاشة، بتوظيف لون الشعر بين الأشقر والأسود واستدارة الوجه واكتناز تعبيرات الوجه والتنقل في الصورة الذي ترسم اتجاهاته المواقع الفعلية للممثل على المسرح، وما تعكسه ((الشاشة)) من وضعيات: أمامية وجانبية ليتشكل الجدل الدرامي، بين خلفية الممثل ومواقعه المتنوعة، ما اضفى ضرباً من شعرية تخص فنون العرض.
قد يكون العرض صادماً لمن يبحث من بين الجمهور عن سرديات كبرى، ورسائل بلاغية، وحوارات شكسبيرية، او تراجيديا على مثل مقاس المسرح الإغريقي، لكن رؤية العرض الجديدة ارادت الانهماك بالتفصيلات التي تخص هموم صغيرة لامرأة تنقض عليها أعراق منحطة، تكفيرية، لاتعير اهتماماً، لحرية الانسان، ولاتسمح لخياراته وتصادره روحاً وجهداً، وكأنه عدماً لاوجود له، هذا ما اراد تداوله مع جمهور الصالة المخرج المتألق بجماليات العرض الفنان (اكرم عصام).
استطاعت الممثلة آلاء حسين، ان تطور أعراق التمرينات (البروفة) لتحصد نتائجها في العرض، وتقارب بطريقة اقرب الى الموضوعية، شخصية الدور الخاص بامرأة مثقفة تريد ممارسة حديثها في اختيار زوج المستقبل، تبعاً لمرجعياتها المعرفية والاجتماعية، في فضاء تجتاحه الفحولة المتوحشة، التي تكون مثل خلايا نائمة عند البعض من الرجال المنحطين، الذي يصيح وباءً سرعان ما ينشط، ويستفحل، لينقض على انوثة المرأة، مثل زبانية الجحيم وآلهات الانتقام وسموم شرائع مندرسة قاتلة.
اشتغلت الممثلة في فضاء (نسوي) تمثيلي، لتقلص من هيئة الذكورية العمياء، لتواصل في ادائها استثمار المنجز الابداعي في (المسرح النسوي) العراقي الذي تتشاطر فيه بنات جيلها من الممثلات المثقفات والدارسات اكاديمياً ومهنياً لفنون المسرح هذه الحلقات المتداخلة ما بين رائدات مسرحنا العراقي امثال: زينب، ناهدة الرماح، أزادوهي صموئيل، فوزية عارف، فوزية الشندي، ابتسام فريد، عواطف نعيم، فاطمة الربيعي، زهرة الربيعي، شذى سالم، اقبال نعيم، اسيا كمال، زهرة بدن، احلام عرب، سهى سالم، عواطف السلمان، سمر محمد، ليلى محمد ، (وعذراً للممثلات اللواتي لم اذكرهن) فضلاً عن جيل من الممثلات يتصدر واجهة مسرحنا اليوم، وهن مناط آمالنا في ديمومة مسرحنا العراقي الجاد، المثابر الذي لاتحرفه عقبات التخلف، والمصوات المشبوهة، وحماقة الغباء، والارتزاق غير الشرعي، للطارئين على المسرح، وجوهرة الانساني الكبير.
تمتاز الممثلة (آلاء حسين) باستمرار عطائها التمثيلي في التلفزيون – ايضاً- وفي الاذاعة ولكنها تشكل حضوراً اسثنائياً في مسرحنا العراقي، وأكاد اجزم في مسرحنا العربي.
تجد فيها صلة مرتبطة بالبيئة العراقية المحلية، وتتثقف فنياً في تواصلها مع فن الممثلات العالميات مشاهدة، وتأثراً وتراها تتنوع في تجليات ادوراها المتباينة في جنس الدراما، وطبيعة العرض، وهي مجيدة في العرض الراقص، وفي مواكبتها، كما في عرض (انترفيو) لمتطلبات الحداثة النسوية المعاصرة، الامر الذي تؤكد من خلاله هويتها (الجندر) المتفاعلة، مع هذا الفضاء العربي في المسرح النسوي الجاد وكذلك مع تجارب المسرح العالمي وطروحاته النظرية عن فن التمثيل.
وهي مقدامة في تأكيد حضور المرأة بالضد من التابوات الاجتماعية، كما يرد هذا (الموقف) في عرض (انترفيو) حيث تخفي مهنتها عن الاخرين لتتفادى فضولهم وتكالبهم عليها، لاستغلالها (لذلك اخبرتهم بانها مدرسة رياضة حتى لا يلحوا عليها بتدريس ابنائهم بما يعرف بالتدريس الخصوصي!)، وبذلك يصبح هذا الحضور الفعال في بنية المجتمع العراقي هو حضور – ايضاً – ثقافي يعرف باسهام المرأة (الفنانة)، الممثلة، في اشاعة الثقافة المسرحية.
الممثلة (آلاء حسين) وجيلها والرائدات المسرحيات كل منهن على طريقتها الخاصة، تمردت على ثغرة الاعراف الاجتماعية، المتصلبة، المقولبة، والمقننة على مقاس أزمنة مندثرة، لذلك تحاول اغناء عن تجربة المسرح العراقي الحديث، في (مدونة جمالية) منفتحة على الابداع التجريبي العالمي لكي توصل خطاب المسرح النسوي المحلي، الى فضاء اشمل.
الممثلة في العرض حين أُجبرت على ارتداء غطاء الرأس الذي لم تكن راغبة فيه، مزقته، ثم ينطفئ الضوء، ثم بعد العتمة، يضاء ثانية، لتشهق وهي ترى الى هذا الغطاء الممزق، وكأنها تغص (بتابو) ارادت التخلص منه، لكنه لاحقها، حتى وصل بها الى يتحول الرجل الى وحش يجز الرأس، بسفالة مجرم انحطاطي، يشوه الضمير البشري ويلطخ القيم الاخلاقية بالسواد.
تريد هي انتزاع حقوقها، التاريخية والسياسية والمجتمعية على وفق القانون المدني، وبذلك تواصل مسيرة الممثلات الرائدات، اللواتي واكبن المتغيرات السياسية في العراق: منذ مرحلة الاحتلال الانجليزي والملكية والجمهوريات الاولى والثانية والثالثة – والاحتلال الأميركي والاستقلال الجديد (مرحلة ما بعد الاحتلال)، لتؤكد الممثلة على ارتباطها الخلاق، وموقفها الوطني من تبدلات المنظومات الاجتماعية والثقافية والسياسية والعسكرية.
لاننسى – ايضاً – ما لعبته المرأة العراقية (عربيات و كرديات وتركمانيات) والطوائف والديانات من ممثلات (ايزيديات، وصابئيات، ومسيحيات) من ادوار مشرفة في فضاء مسرحنا العراقي.
ارادت الممثلة ان تغادر منطقة الخشية من الجسد، وتصدت في مواقفها في العرض الى عقلية الرجل المتخلفة الذي اراد ان يطمر انوثتها، ويغيبها ويحتقرها لكنها – لم ترض – حتى وهي مقطوعة الرأس (في مشهد مروع، لكنه انتصر للفن ورؤيته الخلاقة) حين يصرخ الرأس الانثوي حتى بعد مماته وقطعه وجزه بأنه سيبقى شامخاً في انتصاره للجسد سواء في البيت او في التاريخ او في العمل.
وبحسب – ميرلو بونتي – فان الجسد موطن ظهور التعبير، وكل استخدام للجسد هو (تعبير اصلي)، عن فرادة الكائن وحسن ادارته لحياته الشخصية من خلال هذا الجسد الأعجوبة، التي حاولت الممثلة ان توصل شفراته من خلال القصيدة، الاغنية، الحوار، الرقصة، التداعي الداخلي، فضلاً عن التشكيل الجمالي لحركاتها ، ووضعياتها قفوق الخشبة، وتناغمها مع صورتها كممثلة على الشاشة، تتحاور معها وهي امام الجمهور، بلقطة زمنية واحدة، وبذلك كندت افكارها عملياً.
لم تكتف اذن – بايصال رموز ملية – وأعراف مجتمعية تقليدية، لاسيما في قمع الغريزة، والفهم المتطرف والمتشدد للدين والاخلاق، ومحاولة محاصرتها نفسياً، بل حاولت ان تزهو بانوثتها، ولاتشعر باحباط، وتميزت من مفهوم النسق في مجادلتها مع الرجل، الخاص بتكوينها الثقافي المغاير، فهي الولود، وهذا النمط من الرجال هو العاقر، هي الشابة الأبدية، وهو الشيخ الخرف، سجين هلوساته التي تمتلك القدرة على اتخاذ موقف الزواج او الطلاق حسب الظروف الضاغطة، او المتاحة السهلة، فلا تضيف للمرأة: حرة، عبدة، عانس، راقصة، متدينة، وارثة، بخلاف تحجره، لانها تبقى في حدود (هوية) انسانية، قادرة لوحدها ان تمنحها الثقة بالنفس وبالحياة وبالافكار النبيلة الملتزمة والمتقدمة تثور ضد الإكراه الذكوري، ويرتبط عقلها بجسدها، وتلتحم عواطفها ومشاعرها بارادتها ووعيها، لكي توقف جهاز القتل الدموي، غسلاً للعار، او انحرافاً مزعوماً عن الشرائح، والوصايا!! بحجج التحلل الأخلاقي ومغادرة الحشمة وسواها من تلفيقات.
ارادت الممثلة ان تثبت حضورها وجوداً وعاطفة وفكراً، باناها المتفرقة، وتوظيف خيالها الابداعي بالمختلف الثقافي، وعدم القبول بتنظيمها، وخضوعها لقرار رجولي متعال، يستمد مصدره من ورائيات الجنون، لا العقل والتعقل والحضارة والمدنية.
تذكرنا تجربة (آلاء حسين) بتجارب الدكتورة المخرجة عواطف نعيم، في تجاربها الجزئية مع نسوية لوركن وارسطولفان وبرخت على اختلاف مشاربها، وجذورها الاجتماعية والدينية وصداع الميثولوجيا مع العلم وموقف الفرد من الجماعة.
لقد خلقت الفنانة آلاء حسين لتأكيد هويتها النسوية في عرض (انترفيو) واجرت مقابلة مسرحية مع التاريخ الأسطوري السحري الميثولوجي الذي ما زال قابعا الى يومنا في بعض العقول المتزمتة، وادت دوراً فنياً جيداً، يرتبط بذاكرة امرأة عراقية تريد ان تعيش بسلام في وسط انساني كوني عادل، وكان نضالها سلمياً، والأذى جاء من رجل يدعي الأخلاق والفضائل، وماهو الا عبد تابع، مخيب للآمال، وهي تسهم في انتاج هوية ثقافية نسوية عراقية لتوصل صوتها الى منابر عالمية، ولم تتعال على بنات جنسها، فجاءت رسالتها معفرة بالقاع النسوي، ودمجت (العرقي والجنسي والديني) في اصل واحد ثابت هو (هويتها النسوية) بتنوع جغرافية الوطن وتقلب اطوراه، (الفنانة أهدت عملها الى الاعلامية القتيلة، شهيدة الوعي والوطنية أطوار بهجت). 
هي ترفض العبث بالجهد الانثوي، ولم ترد ان تدخل صراعاً ضد مسرح الذكور! لانها تؤمن بأن الرجل الحر، مثل المرأة الحرة، متساويان في الحقوق والواجبات والعيش المشترك، والمسرح يجمعهما بهوية ابداعية، مهما تنوعت (الثيمات) التراجيدية، والكوميدية، او المسرح الصامت، او الراقص، او الغنائي، وبذلك قدمت الفنانة آلاء حسين عرضاً يصطف مع سابقاته من العروض النسوية الجادة لتمثل عينة جديدة في فترة التحرر الوطني من الاحتلال، باداء دورها بدراية اكاديمية، ترتبط هويتها الذاتية بالنسق المجتمعي العام، مفندة للحجج الظلامية.
في الختام نثمن الجهد الثقافي المرموق لممثلة مركز (جوته) الثقافي، في المانيا، السيدة (هيلا ميوس) Hella Mewis بالتعاون مع دائرة السينما والمسرح لتقديم وانتاج هذا العمل ولتضمن لمبدعينا حق ايصال ابداعهم المسرحي الى فضاءات عالمية خارج العراق.
والشكر لكل من ساهم في نجاح هذا العمل ومن بينهم الشاعرة والمترجمة (آمال ابراهيم) وكل الاسماء المحترمة المذكورة في (بروجرام) العرض.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram