الحدثان الثقافيان الأكثر أهمية في بغداد التسعينات ، هما افتتاح قاعة حوار في الوزيرية ، و مكتب احمد الشيخ علي في الباب المعظم . نقلت قاعة حوار تعالي الفنون التشكيلية ، من الأمكنة شديدة الوجوم والهدوء عبر إدماجها بمفهوم المقهى ، او الكافتيريا ، كما تعد
الحدثان الثقافيان الأكثر أهمية في بغداد التسعينات ، هما افتتاح قاعة حوار في الوزيرية ، و مكتب احمد الشيخ علي في الباب المعظم .
نقلت قاعة حوار تعالي الفنون التشكيلية ، من الأمكنة شديدة الوجوم والهدوء عبر إدماجها بمفهوم المقهى ، او الكافتيريا ، كما تعد المكان الأول خارج المباني الرسمية ، الذي سمح لاختلاط الجنسين ان يتحقق بشكل مدني وتحت الشمس ، وجعلها قربها من مبنى أكاديمية الفنون ، اهم مشروع ثقافي لطلبة هذه الأكاديمية العريقة ، فهناك يمكنهم الاطلاع على اخر منتجات الفن في العراق ، كما تجري استعداداتهم للامتحانات، وهناك تثار المناقشات التي ليست لها نهاية عن الفن والأدب والسياسة بشكل اقل ، وبعد كل افتتاح لمعرض من معارضها المتميزة ، كانت الحوارات تمتد أياما بصدد التجربة او التجارب التي تقدمها هذه القاعة.
الطريق الى قاعة حوار ، ومن كل الاتجاهات تقريبا ، كان يمر بالباب المعظم ، وهو امر مناسب وملح احيانا ان تتوقف عند مكتب احمد الشيخ علي ، لمعرفة الجديد في الإصدارات العالمية ، الذي يدخل العراق تهريبا خوفا من الرقابة ، او عبر نسخ محدودة جدا بسبب الحصار الاقتصادي ، وهناك تجد الكتب المهمة تباع بأسعار زهيدة ، لأنها كتب مستنسخة . تأخذ كتابا او اكثر ثم تواصل طريقك الى قاعة حوار .
الكتاب النادر ، مثل أية سلعة نادرة ، يستوفي حقه من الاهتمام ، وهناك جرت قراءة جدية لاهم الإصدارات في العالم ، في مجتمع منقطع تماماً عن هذا العالم .
تحت شمس شتاء بغداد ، تصادف بشكل دائم أسماء عملاقة في الفن والأدب والمسرح والنقد ، وهي تجلس في حديقة ساحة حوار ، قريبا من معزة علي الربيعي ، تشرب الشاي بعد الآخر ، أتذكر هذه اللحظة من بينهم ، اسماعيل فتاح الترك ، صالح القره غولي ، سهيل سامي نادر ، فاروق سلوم ، عباس جاور ، فاخر محمد ، عاصم عبد الأمير ، كريم رسن ، ضياء الخزاعي ، حيدر سعيد ، صفاء صنكور ، جمال العميدي ، يحيى الكبيسي ، صبيح كلش ، حسام عبد المحسن ، ياسين عطية ، محمد الشمري ، سيروان باران ، احمد الصافي ، سلام عمر ، علي بدر ، سعد هادي ، جواد الحطاب ، فاروق يوسف ، الشهيدة أطوار بهجت ، كريم الوالي ، هيثم حسين ، حسن ابراهيم ، فاضل حسين ، مراد حسين ، ضياء سالم ، عبد الكريم خليل ، حسن بلاسم ، كاظم النصار ، عدي رشيد ، المرحوم طالب السوداني ، فاضل محسن ، قاسم محمد عباس ، المرحوم باسم النحات ، باسم الحجار ، مهند هادي ، شعاع ضياء ، كاظم النصار ، آلاء حسين ، معتز رشدي ، ضرغام جابر ، جواد الزيدي واخرين غابت عني أسماؤهم بسبب المسافة الزمنية .
كان على احمد الشيخ ان يحتاط كثيرا ، فان تداول بعض الكتب بعينها يتسبب في منغصات ، قد تؤدي الى مشاكل خطيرة ، ولكن بيع الكتب عملية لا يمكن السيطرة عليها ، بخاصة اذا كان هدفك ليس ربحيا ، بالفعل حدثت بعض الإزعاجات ولكنها انتهت بسلام ، وكان كلما يتقدم الحصار سنوات اخرى ، كانت قبضة السلطة ترتخي نسبيا وتتغير أولوياتها .
من رفوف هذا المكتب المتواضع السرية ، تطورت معرفتنا ، وأصبحنا قراء إيجابيين ، والقراءة بحد ذاتها لم تعد عملية استهلاكية ، كانت قد اتخذت منحى جديا وصلبا .
وفي المكتب المكيف الصغير كانت النقاشات تمتد لساعات طويلة ، يصبح معها من الصعب الالتحاق ( بالشلة في قاعة حوار )
الحياة في قاعة حوار سهلة و يسيرة وغير مكلفة لأغلبنا ، كانت الكافتيريا متسامحة في مواعيد الدفع ،
هي بيتنا الاول على حد تعبير باسم الحجار ، الذي عاش قصة حبه هناك كما تقرر زواجه هناك ايضا . وسط زغاريد الشلة .
العلاقات العاطفية التي عاشتها القاعة عديدة ، وهناك قصص حب شيقة سأرويها بمناسبة اخرى .
قاسم سبتي بطل المكان الذي يشبهه ، هو الشخصية التي ندين جميعا لها بهذه الفسحة المدنية ، كنا نستقبل ضيوفنا من الأصدقاء العرب والأجانب هناك ، وكانت وسائل الإعلام الأجنبية تحمل كاميراتها نحونا ، وتسألنا عن معنى العيش في الحصار .
تصحر كل شيء في حياتنا وكانت حوار هي البيت المعافى نسبيا في قصتنا . كانت حقاً بقعة مدنية تجنبت بوسائل بسيطة الوقوع في اليأس العام .
تحت أعمال صالح القره غولي لدينا حكايات ، هي قصتنا الثقافية المشتركة . كان ابو سيف يلبي طلباتنا التي اغلبها تدفع بـ (الدين ) وهو يلقي النكات الخفيفة الظل على مسامعنا .
انا شخصيا مدين لمكتب احمد الشيخ كثيرا بالمعرفة الجادة ، ومدين لقاعة حوار بثقافتي البصرية .
مكتب احمد الشيخ علي ، جعل من السلعة الثقافية الاولى أمرا يستحق المغامرة ، وقاعة حوار دمجت الفن مع الحياة اليومية .
عندما غادرنا الوطن فرادى ، كانت رسائلنا الى بغداد ، نعنوها في الغالب ، العراق ، بغداد ، الوزيرية ، قاعة حوار ، وكانت تعلق على لوحة الإعلانات الصغيرة في المدخل ، لان رسائل تخص المكان وكل رواده تقريبا .
باجر اشوفك بحوار ونكمل حديثنا ، كنا نتوادع في المساء ، مع اولئك الذين لايكملون معنا سهرة نادي اتحاد الأدباء ، الذي له قصة اخرى ، يرويها حميد قاسم برشاقة وبشكل اكثر جمالا .