مثل كثيرين بدأت خطواتي الأولى في قراءة الرواية مع نجيب محفوظ، الذي لم يحاول في اعماله الادبية أن يُهندس القضايا ويفلسفها، وإنما كان يقدمها ببساطة وعفوية، وفي كل مرة أعود إليه لأكتشف جديداً، في روايته"ميرامار"نجد عامر وجدي يعيش حالة من القلق على مصير البلاد بعد 1952 يسأل:"هل تعتقدون أن الثورة ستحافظ على النظام الديمقراطي والبرلماني"، فيأتيه الجواب على لسان سرحان البحيري:"معظم الناس همهم الحصول على خبز يأكلونه.. فقط أنتم سكان هذا البانسيون تتحدثون عن الديمقراطية".
تذكرت هذا الحوار ، وأنا أشاهد الفديو المثير والعجيب للسيد نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي الذي أصرَّ فيه على أن يجري استعراضا للديمقراطية العراقية الحديثة في معرض بغداد، وهو يستعرض حرس الشرف الرئاسي مع فرقة موسيقية عسكرية، سيقول البعض إنها إجراءات بروتوكولية لا تستحق أن تخصص لها هذه الزاوية، وسأُوافقكم الرأي لو أن السيد النجيفي اكتفى باستعراضاته البروتوكوليه، بل وجدناه يلقي على مسامعنا محاضرة عن الديمقراطية العراقية، وأستميحكم عذراً لأنقل بعضاً مما قاله فخامته: إن"فشل التجربة الديمقراطية في العراق سيؤدي إلى إخفاق يتضرر من جرائه العالم الحر بأسره ويكون عبئا خطرا على المجتمع الدولي، وإيذانا ببروز مخاطر جمة وصراعات جديدة في المنطقة التي تعاني أصلا من نزاعات وخلافات داخلية وخارجية".
السيد النجيفي، عــدَّ زيارته معرض بغداد حدثاً تاريخياً لابد من تسجيله ، فأصرَّ على أن يضع فديو الاستعراض والفرقة الموسيقية على صفحته في (فيسبوك) إيماناً منه بأن مثل هذه الزيارات ستجعل من العراق يحتل المركز الأول على صعيد الدول المتطورة.
لن أعود للحديث عن روايات نجيب محفوظ، ولكني سأذكّركم بصورة وزير خارجية ألمانيا شتاينماير، وهو يفترش الأرض في مخيم للاجئين في كردستان يستمع إلى معاناة المهجّرين العراقيين، وأعيد إلى أذهانكم دموع وزير الخارجية السويدي كارل بليت وهو يحتضن طفلا عراقيا وينصت بكل اهتمام إلى شكوى الأمهات وعجز الآباء.. مع هذه الصور أتمنى أن تعود عزيزي القارئ إلى الصفحة الرسمية للسيد نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي ومعه النائبان الآخران نوري المالكي وإياد علاوي ستجد أن النواب الثلاثة مصرّون على ألا يتنازلوا"قيـد أنملة"عن كل امتيازاتهم، فهم يتجولون ومعهم الموسيقى العسكرية والسيارات المظللة وأفواج من الحرس لا عدَّ لها، أما عديد النازحين فهذه أرقام "فيها نظر""مليون،مليونان ، ثلاثة..لتكن أربعة وليرتفع الرقم إلى خمسة ملايين ، ماذا يعني هذا الرقم في بلدٍ يتزايد فيه عدد السكان، حسب بيانات وزارة التخطيط.
يرفض أصحاب الفخامة"نواب"رئيس الجمهورية ، أن يراهم الناس بلا استعراضات ومهرجانات عسكرية ، فماذا لو طالبناهم بأن يظهروا في لحظة ضعف بشري أمام الفضائيات.. كيف يمكن لسياسي يصرَّ على أن يتولى منصباً"لا يهُشّ ولا ينشّ"، أن يجلس على الأرض يحيط به أطفال إيزيديون ومسيحيون، وكيف يتسنى لاصحاب"الفخامة والسيادة والمعالي" أن يذهب إلى أهالي تلعفر أو حديثة، وهو الذي يملأ الفضائيات والصحف خُطباً ومعارك نارية عن الاستحقاق الانتخابي والتوازن الطائفي ثمة مؤهلات وتقاليد لا بَّد أن يرثها من يريد أن يمارس السياسة والمسؤولية، أبرزها الشجاعة وأهمها الصدق والاستماع إلى صوت الناس الذين استأمنوه سلامتهم وخيرهم وأمنهم، ولهذا يصرّ الساسة الحقيقيون على أن يقدموا لنا ولشعوبهم درساً فريداً في المسؤولية، فالسلطة ليست"اجواق موسيقية " ومنافع وامتيازات، بل شرف وأمانة تُجبر المسؤول على أن يحترم عقول الناس.
"فديو" أُسامة النجيفي
[post-views]
نشر في: 28 أكتوبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 4
جمال أحمد
أخي علي سيستمر هذا والانكى منه مادمنا نصر على عدم ممارسة حقنا في رمي البيض الفاسد على سراق قوت الشعب وعدم ألقائهم في حاوية الازبال مثل باقي خلق الله في الدول الديمقراطية
علي الاحمد
سيدي ما يهمني ان الطريق المؤدي الى البياع وكربلاء ونصف العراق الجنوبي اغلق بسبب معرض بغداد الدولي ولا اخفيك ان العراقيين توحدوا بكل اطيافهم في لعن المعرض ومن اقام المعرض ومن من عمل استعراض ومن غلق الشارع ومنذ 2003 والكل يلعن والعجيب انه لا احد يفكر بمن ير
حسن مناتي
شتاينماير عندما يفترش الارض في مخيم اللاجئين يعلم جيدا ان هذا العمل لن يحط من احترامه ولا من مكانته لانه وكما نقول (شايف وعايف )ويعلم انه اهلا لمنصبه لذلك يتصرف ببساطة وعفوية ولا يتصنع افعاله وهذا ديدن رؤساء وكبار ساسة العالم.اما(ربعنه) فقد جاءوا الى الم
ابو اثير
نواب رؤساء الجمهورية الثلاثة حلقة زائدة من حلقات المناصب الوظيفية التي أستحدثت للنواب الثلاثة لغرض تطييب الخواطر ليس ألا والسبب ألأخر هو لعدم مسائلة من كان في السلطة ليبقى محصنا من الأتهامات التي قد تكشف للرأي العام وهو تجاوز على القانون والدستور ولست أدر