تُصادف كتّاب الأعمدة في الصحافة العربية عموماً، مسألة رفض نشر بعض مقالاتهم، ولرؤساء التحرير عادة ما يبررون به المنع، ولو أن ذلك يقع تحت بند التدخل السلبي في رأي الكاتب، وهو حق مقدس له، ويعني ذلك أن حُرّاس الحرية يعتدون عليها، ويسعون لفرض وجهة نظرهم مُتسلحين بموقعهم، وربما امتلك بعضهم شيئاً من الحق، إمّا للحفاظ على موقعه إن كان موظفاً في منصبه، أو منع تعرض صحيفته للمسائلة إن كان مالكها، غير أن الإعلام الحديث يُعطي الكاتب فرصة ترويج فكرته تحت عنوان "منع من النشر"، وهو عنوان يستهوي القراء ويشدهم للمتابعة، حتى وإن كان المقال الممنوع نشره لا يستحق ذلك.
السؤال المطروح هو هل يجب أن تتطابق وجهات نظر الكاتب مع وجهة نظر وتفكير المسؤول، الجواب المنطقي والعادل هو "لا" كبيرة ومدوية، ولكن من يقول إن هناك مطرحاً للمنطق والعدل، صحيح أن الكاتب في صحيفة ما مُطالب بالالتزام بخطها السياسي والتحريري، لكن الأصح أن هذا الالتزام ينبغي أن لا يلغي شخصيته، ويحجر على فكره لمصلحة "دكتاتورية" رئيس التحرير أو مزاجه، وهنا يكون لزاماً على أي كاتب صحفي أن يُحسن اختيار الصحيفة التي يكتب لها، على أن تكون الأقرب لأفكاره وتوجهاته، ويعني عدم الالتزام بذلك قبوله بأن يكون صوت سيده، مُسقطاً عن نفسه صفة الكاتب الحر، وعن قلمه الجرأة في الدفاع عن ما يراه حقاً، أو مصلحة عامة، وربما يكون قبوله العمل مع صحيفة ما ناتج عن حاجته المادية، فتدفعه حاجته للخضوع والقبول بالواقع، وإن كان مُرّاً كالعلقم.
يقود ذلك إلى مسألة تتعلق بواقع الصحافة العربية، وهو واقع لابد من القول إنه لا يرقى لمستوى أي طموح، فالغالبية من الصحف الصادرة في عالمنا العربي، إمّا خاضعة للحكومات تأتمر بأمرها وتخضع لرغباتها، أو حزبية منغلقة على أفكار الحزب وتوجهاته، أو للأسف يتخذها بعض ضعاف النفوس الدخلاء على المهنة وسيلة للابتزاز، وما يؤكد الرفض الشعبي لكل هذا، هو المثل القائل "كلام جرايد"، تعبيراً عن عدم أهمية وصدقية ما يشار إليه بهذا المثل، الذي يبدو صحيحاً للأسف في معظم الأحيان، لا يعني ذلك خلو الساحة من صحف تلتزم بأخلاقيات المهنة وحرية الكاتب، لكنها قليلة وغير قادرة على استيعاب كل الكتاب الراغبين بالحفاظ على حريتهم، والمؤمنين بأن الحرية أسمى وأقوى من كل الحاجات.
في بعض الصحف "الكبيرة"، ثمة الكثير من الحواجز تمنع التواصل مع رئيس التحرير، وهنا تكون الطامة الكُبرى، حيث يتقمص البعض دوره، ليمارس كل نزواته بدكتاتورية مضاعفة، وهو يظن أنه أكبر من كل الكتاب، مع أن أقل واحد منهم يفوقه آلاف المرات علماً ومهنية، كل هذا دون أن يصل الأمر إلى رئيس التحرير، الذي منح ثقته وصلاحيته لموظف لا يستحقها، عندها سيكون على الكاتب الوصول إلى رئيس التحرير، على صعوبة ذلك، أو اختلاق مشكلة مع الموظف المسؤول ربما تكون سبباً في التضييق عليه، أو منعه شخصياً وليس مقالاته من النشر.
ليس هذا سراً نكشفه بقدر ما هو توصيف لحالة قائمة ومكرسة بقوة الاستمرار، منذ كانت الصحافة تخضع لمقص رقيب المطبوعات أو مندوب المخابرات، والمؤسف أن بعض رؤساء التحرير حلاّ محلهما، حين تصورنا أن لدينا صحافة حرة ومسؤولة.
مُنع من النشر
[post-views]
نشر في: 29 أكتوبر, 2014: 09:01 م