في أقل من أربع سنوات تنجح تونس، بجهودها الذاتية فحسب، في اختراق حاجز النكوص عن الاتجاه نحو النظام الديمقراطي والانتقال إليه، وإعادة إنتاج النظام الدكتاتوري في صيغة جديدة، فيما الضوء الذي لاح لنا، هنا في العراق، في نهاية نفقنا المعتم قبل أكثر من إحدى عشرة سنة يتضاءل وتذوي شعلته، مع ان عشرين دولة أسقطت لنا الصنم وصنعت ربيعنا، وظلّت الى جانبنا بجنودها وعمالها وخبرائها وأموالها، أكثر من ثماني سنوات، لمساعدتنا في الوقوف على أقدامنا، ونحن نصرّ بعناد جنوني على التمسك بكساحنا.
لماذا تونس تنجح ونحن نفشل؟
المقدمات الصحيحة تؤدي إلى نتائج جيدة والمقدمات الخاطئة تقود الى نتائج سيئة.. التوانسة انطلقوا على نحو صحيح ومضوا في الاتجاه الصحيح فقطفوا ثماراً حلوة منذ أيام عندما جرت أول انتخابات تدشّن العهد الديمقراطي المنتظر. أما نحن فان خطواتنا الأولى كانت خاطئة، ولم نرد أن نعود عنها أو نصحح مسارها، فوقعنا في هذا اللجّ الذي لا يُدرك قعره، وانخرطنا في حرب أهلية طاحنة ووقعنا فريسة للإرهاب الرهيب.
بعد إطاحة نظام بن علي شكّل التوانسة مجلساً تأسيسياً من ممثلي القوى السياسية والنقابات والمنظمات المدنية والشخصيات الثقافية والاجتماعية والحقوقية، أما نحن فجعلنا الجمعية الوطنية (التأسيسية) حصصاً للطوائف والقوميات والقبائل، فأوغرنا الصدور وأشعلنا النار الدينية والطائفية والقومية التي لم تنطفئ حتى اليوم، ولن تنطفئ بعد عشر سنين من الآن.
التوانسة ظلوا، على مدى أكثر من سنتين، يتناقشون ويتجادلون ويختلفون ويتفقون، وينظمون حواراً مجتمعياً في شأن الدستور الخاص بدولة المستقبل المدنية، تحت قبة البرلمان المؤقت وخارجه بين المجتمع، أما نحن فقد عهدنا بكتابة الدستور إلى سياسيين ورجال دين، ونبذنا وأقصينا أهل العلم والمعرفة والخبرة، فـ"سلقنا" في بضعة أشهر دستوراً معبأً بالألغام والمفخخات والأحزمة الناسفة لدولة نصف دينية ربع مدنية ربع فوضوية، وحمّلناه نصاً بتعديله وتنظيفه من سوءاته في غضون سنة. والآن بعد ثماني سنوات لم يزل على حاله ولم نزل نتمسك به، فيما ألغامه ومفخخاته وأحزمته الناسفة تتفجر فينا على مدار السنة والشهر واليوم.
تونس تعبر إلى الديمقراطية، ونحن نبقى في المربع الأول متمترسين خلف طوائفنا ومذاهبنا وأدياننا وقومياتنا وقبائلنا وأحزابنا وقياداتها الموغلة في فشلها وفسادها.
تونس تتحول الى أنموذج.. إذا أردنا الاقتداء بها يتعين علينا أن نبدأ بتغيير الدستور تغييراً جذرياً، وقبل هذا أن نعهد بالمهمة الى خبراء القانون والاقتصاد والاجتماع، ثم من بعدهم يكون السياسيون والشيوخ، إن كان لهم لزوم.
العودة عن مسارنا الخاطئ هي المقدمة الصحيحة الآن لنكون مثل تونس.
لا تتحججوا بالإرهاب والحرب عليه، فهما ما كانا سيكونان لو ان مقدماتنا كانت صحيحة وسليمة كما هي المقدمات التونسية.
تونس تنجح.. نحن نفشل!
[post-views]
نشر في: 29 أكتوبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 4
حسن مناتي
لن يحدث هذا ولن نتقدم نحو الديموقراطية ولن يعدل الدستور والسبب تجده هذه الايام بنظره بسيطة الى الشارع
الدكتور جلال الزبيدى
صديقنا العزيز عدنان حسين ..ان محصلة الحقيقة للنجاحات المتسارعة لقوى الحداثة والتغيير فى تونس الشقيقة يعود بالاساس الى الارث التاريخى من الثقافة والوعى العقلى الذى تكرس خلال حقبة سياسيةمتميزة من المدنية البورقيبية ..امافى عراقنا الجديد القديم فنحن بلا شك ن
محمد سلمان
الاخ العزيز لا شك في ان البدايه الصحيحة تلد نتائج صحيحة كما نرها في تونس الحبيبه ياهل ترى ان ابو قاسم الشابى كتب الحقيقة والجواهري والسياب والنواب كتبوا فقط في الغزل الرجعي هل شهدة الساحةالنضاليةفي تونس نضال اكثر من نضال السباع من هل تمتلك دولة عربية شه
علاء مهدي
بل الأصح أن تونس تصر على النجاح ونحن نصر على الفشل. مودتي