بوصول قوات البيشمركة القادمة من كردستان العراق، إلى مدينة كوباني لنجدة أهلها، الصامدين في وجه الهجمة الشرسة التي يشنها تنظيم داعش الإرهابي، ضد المدينة الباسلة منذ أكثر من شهر، دون أن يتمكن من إخضاعها، بات واضحاً أن القوى الدولية والإقليمية تنظر إلى القضية الكردية بمنظار مختلف، قد يكون بداية لتحقيق حلم الأمة الكردية في بناء كيانها الوطني، وبدا الارتباك واضحاً في دمشق، فقد صرح وزير المصالحة الوطنية، أن دخول قوات البيشمركة لمساعدة ودعم إخوتهم من المقاتلين الكرد خطوة قومية، لا بد منها في مواجهة داعش ودحره، ولم يترك الفرصة تفوت فهاجم تركيا باعتبار أنها كانت العائق والمانع أمام إرسال المساعدات إلى كوباني، لكنها أخيراً خضعت للضغوطات الدولية ووافقت على دعم ومساعدة المدينة، بينما السلطات السورية تعتبر إرسال البيشمركة إلى كوباني خطوة وطنية، ولا بد أن يقدم الكرد الدعم اللازم إلى إخوتهم، غير أنه يبدو أن لوزارة الخارجية رأياً آخر فقد اعتبرت أن سماح تركيا بدخول قوات أجنبية عبر أراضيها إلى "عين العرب"، يشكل انتهاكاً سافرًا للسيادة السورية.
نحن إذن أمام اعترافات ملتبسة ومتأخرة، بأن الكرد قومية منفصلة وموزعة بين عدة أقطار، فتركيا تعترف بأخوة الكرد وإن اختلفت جنسياتهم، وبأنهم أبناء قومية واحدة في السراء والضراء، ونضيف من عندنا أن هذه الأمة العظيمة، كانت الخاسر الأكبر في معادلات ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، ودفعت الثمن الباهظ بحرمانها من إقامة دولتها القومية، وجرى توزيعها على أربع دول نتيجة الموقف التركي المتعنت والتواطؤ الغربي، وهذا ظلم رفضه الكرد بثوراتهم المتصلة، حيثما جرى تصنيفهم كأقليات من الدرجة الثانية، فهم يؤمنون بحقهم في دولة مستقلة، تضع حداً لذوبانهم في قوميات أخرى، ولا يشبههم في وضعهم غير الفلسطينيين، الذين حرموا من إنشاء دولتهم الوطنية أسوة بشعوب المنطقة، ولعل التغيرات المتسارعة اليوم تؤشر إلى ضرورة أن تتمخض هذه المرحلة، عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، ومنح حق تقرير المصير للأمة الكردية، بعد فشل المحاولات المستميتة لتغييب هويتها، طوال ما يقرب من قرن بعد اتفاقية سايكس بيكو.
نقف اليوم بمواجهة مرحلة جديدة من حروب المنطقة المشتعلة، ناجمة عن الصمود البطولي للكرد في كوباني، ما استدعى تدخلات دولية وإقليمية، تسعى لتوظيف الحالة خدمة لمصالحها، ويبدو ذلك شديد الوضوح في موقف أنقره، مثلما استدعى وحدة الموقف الكردي، التي تجلت في اتفاق دهوك برعاية الرئيس مسعود البارزاني، وأسفر عن مشاركة بيشمركة الإقليم في الدفاع عن المدينة، وتلبية طلب كرد سوريا بتزويدهم أسلحة أميركية حديثة، باعتبارهم جزءً من التحالف الدولي ضد داعش، وإذا كان بعض القومجيين العرب يروج عدم استطاعة البيشمركة تغيير ميزان القوة، وملء فراغ هزيمة داعش المؤكدة، ويلوحون بأن الهدف من مشاركتهم هو بسط سيطرة الإقليم على هذه المنطقة ضمن المعركة الحقيقية الهادفة لإسقاط الرئيس الأسد، فإن المهم عملياً هو تكريس وحدة القرار الكردي، وإضافة المزيد من الشرعية على معركة هذه الأمة المستمرة منذ 100 عام لتحقيق طموحها المشروع.
يقف الكرد اليوم أمام فرصة تاريخية ليس من السهل أن تتكرر، ما يوجب استغلالها بالكامل، مع تزايد الآمال بأن لعبة الأمم ستنصف هذه الأمة، وكوباني تتكفل بالأمر، فقد وحدت الصف الكردي وأعادت طرح المسألة الكردية على العالم، وأثبتت مجدداً عدم إمكانية إلغاء الشعب الكردي من تاريخ ومستقبل المنطقة، وأنها ستكون بصمودها حجر الأساس في بناء دولة الأمة الكردية.
كوباني تحقق الحلم
[post-views]
نشر في: 31 أكتوبر, 2014: 09:01 م