لم يتحرك موضوع"التصالح"بشكل جاد، إلا مرتين. الاولى حين بدأ انشاء حلف عشائري في الانبار لضرب داعش، عام ٢٠٠٦، بتدبير ووعي عميق للجنرال ديفيد بترايوس، رافقته اجراءات سياسية حظيت بضغوط واشنطن، وتفهم عراقي، بسبب كمية الموت التي كان علينا الحد منها. بعدها خرب كل شيء مع خروج الاميركان، ولم تعد هناك مصالحة حتى مع الاكراد، بل تفاقم الانقسام حين بدأ انصار"المختار"بشتم الحكيم والصدر لانهما يدعوان لحوار داخلي وتهدئة اقليمية.
اما المرة الثانية للتحرك الجاد نحو الحوار، فقد بدأت نواته حين نزل السيد مقتدى الصدر في اربيل، وحصل فهم شيعي اكبر للاعتراض السني، وتطورت الامور بعد اعتقال ١٥٠ عنصرا من حماية رافع العيساوي، وشاهدنا كيف ان عقلاء عراقيين كثيرين كانوا يدعون بقوة، الى حوار عاجل مع اطراف الاحتجاج في الانبار ونينوى، وبلغت الحكاية ذروتها حين اطلقت مرجعية النجف نداءً لمنع الجيش من الاحتكاك بساحات الاعتصام، فقام المالكي بفعل العكس، وانقطعت حبال وصل مهمة، وسبقتنا داعش لتوظيف المناخ السيئ، ووقع الفاس في الراس.
لكن"الفاس"هذا، ادى الى تنبيه شريحة واسعة من المؤثرين في الداخل والخارج، الى حجم الخطأ الذي وقعوا فيه حين تساهلوا مع بقاء المالكي في السلطة، والثمن الرهيب لسياساته التي مزقت التوافق السياسي قبل ان تمزق داعش بلادنا. واثر هذا الانتباه"المتأخر"، يمكننا اليوم ان نلمس ان المرحلة الجديدة من رغبة التصالح وابرام تسوية داخلية كبرى، تنطلق هذه الايام، لا بمجرد حث اميركي ووساطات، بل ايضا انطلاقا من قناعات محلية. وعلى هذا الاساس جرى لاول مرة قبول وزير دفاع جاء من قلب كتلة"متحدون"وهو اختبار جديد للكتلة نامل ان تحقق نجاحا في اطاره. وعلى هذا الاساس، نسمع ان العبادي لم يضع خطوطا حمراء في لقاءاته مع وجهاء الانبار، لا في الاردن ولا في العراق. وعلى هذا الاساس ايضا نأمل ان يفعل رئيس الوزراء ما يتطلبه نجاح الامور التي يدعو اليها، خاصة حديثه عن"فرصة"لشباب عملوا مع داعش، كي يراجعوا موقفهم ويعودوا الى صف الجيش. وهذا امر مهم وحساس ومليء بالحرج، ولا ينجح في تحويله الى حقيقة سوى شجعان من الطرفين.
ولا نحتاج ادلة لنفهم أن ملف التسوية وابرام الصلح، كله مليء بالحرج، مع انفسنا واخلاقياتنا وانفعالات الجمهور من الطرفين. ولذلك لم يتحقق اي تصالح عبر التاريخ الا بمشاعر عدم الرضا. وكل ابطال السلام تعرضوا الى الشتيمة ووصفوا بالجبن، وفي التاريخ العربي والاسلامي شواهد عديدة، تعرض لها النبي نفسه وحفيده الحسن بن علي، رغم اننا نتحدث هنا عن اشرف نسب قاد العرب في لحظة تأسيس حضارتنا الراهنة.
لكن المساعي لن تنجح اذا تركنا العبادي وحده لنختبر ما يمكنه فعله، ولا اذا تركنا جون آلن جنرال اميركا المكلف بالعراق، يحاول فعل ذلك بمفرده. الامر يتطلب قبل تنضيج الحوار بين الشيعة والسنة، مؤتمرا قاسيا يضم السنة فقط، ليخوض ا حوارهم الداخلي ويتفقوا على نوع قضاياهم ومطالبهم، والقيام بما يساعد العبادي على اتخاذ خطوة كبيرة.
ولا يتوقف الامر هنا، فهناك حاجة الى حوار داخلي شيعي، متجدد، لتقرير ما ينبغي فعله، اذ ان خطوات العبادي لن تكتسب المشروعية الا اذا اعلن كبار الزعامات الشيعة دعمهم لها. كما انها لن تكون مشروعة لو انقسم السنة بشأنها انقساما كبيرا، سيسهل تخريبها.
طي صفحة المالكي وسياساته سيبدأ من هنا ومن مؤتمر مهم يفترض عقده هذا الشهر للحوار مع كثير من معارضي نظامنا السياسي. والموت المتواصل يتطلب شجاعة لوقفه. وصانع السلام لا يقل شجاعة عن المحاربين. رغم ان المحاربين يلعبون دورا كذلك في صناعة السلام وحماية الاتفاقات، حين نضبط إيقاعهم بإدارة متعقلة تعرف ما تريد، وتبقى فوق الانفعالات المؤقتة، وتمنع المجانين من تحويل الانفعال إلى قاعدة عمل، وجسر نحو الفناء والفشل.
دعم سني لمصالحات العبادي
[post-views]
نشر في: 1 نوفمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 3
د عادل على
الحل الوحيد لماساة غرب العراق هو الجلوس على مائده مستديرة لتبادل وجهات النظر-----وايجاد الحلول لكل المسائل المختلف عليها------نحن لسنا صداميون لنعلن الانفال العربيه او نعمل من هيت حلبجه و من الرمادى بصرة الانتفاضه و من فلوجه نجف الانتفاضه------القله ال
atra
عزيزي سرمد،تقبل مني كل المودة و الاحترام،وتعذرني ان اختلفت معك في جزئية،تخص ساحات الاعتصام في الرمادي.. و اقترح ان يوجه كل منا سؤال لنفسه مستفسرا عن ما الذي كان سينهي تلك الاعتصامات ؟؟أنا في وقتها قلتها لكل الاصدقاء..و قلت لا شيء ينهيها اطلاقا..ولا اقف ثا
محمد توفيق
دالت أمور الدولة العراقية بعد رحيل الأمريكان الى قادة طائفيين لحد النخاع، لا يجيدون شيئاً غير حرفة الإنتقام، وكانت استراتيجيتهم الرئيسة ليست في إعمار العراق وفتح صفحة جديدة بين أبناء الوطن الواحد، بل إنغمسوا كلياً في التحريض الطائفي ومارسوا سياسة الإنتقام