اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > يا ليتني كنتُ هِنديّاً!

يا ليتني كنتُ هِنديّاً!

نشر في: 2 نوفمبر, 2014: 09:01 م

كان الشاعر الزهاوي على جانب كبير من الظرف والفكاهة، وينقل لنا المؤرخ الراحل خيري العمري أن الملك فيصل الأول طلب من الزهاوي أن يكون على رأس الوفد الذي يستقبل شاعر الهند الكبير طاغور، ولا تزال صورة الزهاوي وهو يجلس على أحد كراسي محطة قطار بغداد وقد داهمه النعاس تعدّ من النوادر ويُقال إنّ المصوّر أرشاك التقط هذه الصورة ، وأن عبد الغفور البدري صاحب جريدة الاستقلال أصرَّ على أن يضع الصورة في الصفحة الأولى نكاية بالزهاوي.
ومن الطرائف التي تروى عن زيارة طاغور لبغداد أن الزهاوي ألقى قصيدة في ترحيبه كان عبد المسيح وزير يترجمها بيتاً بيتاً للضيف الهندي، وقد جاء في أحد أبياتها:
أيها الكهرباء أنتِ جوابي للجماهير عند كل سؤال
عندها التفت طاغور ليقول للحاضرين بأنه يكنُّ كلَّ الاحترام لعلوم الغرب، لأنها إرثٌ حقيقي صادق وسعيٌ روحيٌّ عميق، وأنهم في الهند يسعون إلى الأخذ بهذه العلوم،لأنها الطريق إلى المستقبل.
وعن الهند.. فقد دارت في الأيام الأخيرة حرب ضروس على مواقع التواصل الاجتماعي"فيسبوك" بعد أن خرج علينا أحد سياسيي الصدفة، ليثير فاصلا من"الردح"الطائفي حين قال عن أهالي مدينة العمارة إنهم من الهنود ، حديث النائب والردود الغاضبة منه تجاوزت مسألة الشحن الطائفي لتدخل في باب السخرية من شعب وحضارة عريقة مثل الهند التي لا يزال البعض ينظر إليها على أنها بلاد الأفلام الميلودرامية وقصص الحب الحزينة وآهات شامي كابور ودموع مابالا. هذه الهند انقرضت على أرض الواقع واستبدلت بجيش من الأطباء والمهندسين ورجال اقتصاد وعلوم.. لكنها أيضا لم تتخلَّ عن النجم سلمان خان والحسناء أيشواريا التي لا تزال تسحر الملايين أينما حلّت.
وقبل أن نضع مقارنات بين الديمقراطية الهندية التي رسّخها رجال مثل نهرو وديمقراطيتنا العرجاء التي ترفع شعار"ما ننطيها"علينا أن نقرأ في كتاب غاندي"قصة تجاربي مع الحقيقة"كلمات المهاتما عن التسامح"أحسست أن تسامحي ينقل شيئين للذين يظلمونني ويسيئون معاملتي، أولاً: مدى قدرتي على تقبل الآخر، وثانياً: قناعتي بأن قوتهم ستسقط يوماً ما".
لو أعدنا قراءة التاريخ مرة أخرى، لوجدنا أن المتسامح غالباً هو الذي يفوز، وأن الحوار هو الذي ينتصر غالباً على يـد رجال كلماتهم أقوى من المدافع، أفكّر طبعاً في غاندي ونهرو، ومانديلا ولي كوان وسليفا والاسباني أدولف سواريث الذي استطاع ان يمحوا من ذاكرة شعبة ايام فرانكو السوداء.
لا نعرف من أيّ شعوب نسخر ونحن الذين نقضي سنوات عمرنا في جدال هل نجعل من يوم السقيفة عطلة رسمية أم أنّ يوم الغدير أحقّ بذلك؟
جاء هنري كسينجر إلى أميركا صبياً ولم يصبح مواطناً أميركياً، إلا بعد أن بلغ الثامنة عشرة من عمره ، لكنّ هذا لم يمنع البيت الأبيض من أن يسلّم مفاتيح سياسته الخارجية بيد هذا الألماني القصير القامة، بعد كسينجر حملت البولونية أولبرايت هموم الخارجية الأميركية، فيما سُلّم للأفغاني زلماي خليل ملفاً خطيراً ومهماً مثل ملفّ العراق.
ولا أريد أن أُذكّر جنابكم الكريم بأن الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي ابن مهاجر من المجر، ولم تقم قائمة الإعلام ولا الفضائيات حين قالت الحاجة الكينية سارة عمر، جدة الرئيس الأميركي أوباما: اللهمّ أدخل حفيدي أوباما الإسلام.وقد جعلت فرنسا رشيدة داتي وزيرة للعدل من دون أن تسألها لماذا ولدت في المغرب.
لقد ألغت الأنظمة الحديثة الحدود الجغرافية، وأصبح البحث عن الأصول اختراعاً عراقياً بامتياز، حُرم مئات الآلاف من العراقيين من حقوق المواطنة وهُجّروا وبيعت ممتلكاتهم ،لأنّ القائد المؤمن كان يشك في أصولهم!
سيظلّ العراق بلاداً فوق الإثنيات والطوائف،ولن نخذل العلامة الأثري حين قال مُرحبا بطاغور:
بغداد ثغر صاغه الله باسماً لكل أديب حطَّ فـيها رواحله

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. بغداد

    ولكن هناك أشخاص محترمين من الشعوب الغربية من كتاب وعلماء وباحثين ومخترعين ومنهم بنسلين الذي أنقذ الملايين من الاتهابات الفتاكة وانسانيين مفكرين فلماذا يا علي حسين اخترت من أجرم الشخصيات على وجه البسيطة لتجعل هم قدوة ومثلا من أمثال مصمم الحروب العالمية وال

  2. علي الربيعي

    شكرا لك سيدي الفاضل على هذا المقال الرائع وامتيتي بان يكون بيد هؤلاء الحائزين على شهادةالاميه السياسيه وبامتياز لكي يكون بلسم يفتح عيونهم على الحقائق التارخيه وان يعرفوا حجمهم الحقيقي وان يضعوا حد لغرورهم الفارغ وان لايمسوا شعوب مشهود لها في كل مجالات

  3. د عادل على

    سافر مرة عبدالسلام عارف المعروف بجهله العميق مثله مثل كل البعثيين والقوميين العرب الى الهند وعند الرجوع الى بغداد قال له الرئيس الهندى فى المطار ان يهتم بالمواطنيين الهنود فى العراق فقال له عبدالسلام حتما ثم كرر الرئيس الهندى مقولته حول رعايه الهنود فى ال

  4. سعد العالم

    احسنتم وبارك الله فيكم

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

الأحوال الشخصية.. 100 عام إلى الوراء

وظيفة القرن: مدير أعمال الشهرة والانتشار

العمودالثامن: يا طرطرا.."!

العمودالثامن: ماذا يريدون ؟

مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي.. في المنطق القانوني

العمودالثامن: درس تشرين ودرس بنغلاديش

 علي حسين ما هو الفارق بين ما جرى في تشرين عام 2019 في بغداد والمحافظات.. وما جرى في البلاد الفقيرة بنغلاديش خلال الأيام الماضية؟ في العراق جرى قتل أكثر من 700 شاب.. وجرح...
علي حسين

متى تتكلم الأغلبية الصامتة؟ وماذا بعد قانون الأحوال الشخصية؟

د.غادة العاملي يثار جدل واسع حول تعديل قانون الاحوال الشخصية وخطورة التداعيات الاجتماعية التي تسبب بها، ويبدو من السجالات والمناظرات والندوات التي ترافق النقاشات المرتبطة بقانون الاحوال الشخصية، ان حزمة قوانين اخرى تنتظر التمرير...
د.غادة العاملي

عشر أفكار حول تطييف قانون الأحوال الشخصية

علي المدن لا أحد يعلم على وجه الدقة انطباعات العراقيين حول مقترح تطييف قانون أحوالهم الشخصية، وأنا شخصيا لم أقرأ حتى الآن أي أستطلاع للرأي العام حول هذا الموضوع المعقد، وعليه؛ ستبقى مسألة مقاومتهم...
علي المدن

في مواكبة الـ (المدى)..

لاهاي عبد الحسين يوافق الاحتفال بالذكرى الحادية والعشرين لانطلاق "المدى" كمشروع ثقافي واعلامي وطني مسؤول مع الضجة التي أحدثها تقديم مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 في مجلس النواب العراقي. هذا...
لاهاي عبد الحسين
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram