في خطاب العرش الذي يقدم فيه الملك الأردني لمجلس النواب، "جردة حساب" لما قامت به الحكومة وما تنوي تنفيذه من مخططات، يلفت النظر الفقرة المتأخرة التي حدد فيها سياسته تجاه ما يجري في المنطقة من حروب، ناجمة عن انفلات التنظيمات الإرهابية، المعتنقة للفكر المتطرف، وتأكيده "أن الحرب ضدها هي حربنا، فنحن مستهدفون، ولابد لنا من الدفاع عن أنفسنا، وعن الإسلام وقيم التسامح والاعتدال ومحاربة التطرف والإرهاب، وإن كل من يؤيد هذا الفكر التكفيري المتطرف أو يحاول تبريره هو عدوٌ للإسلام، وعدوٌ للوطن وكل القيم الإنسانية النبيلة".
ولمعرفته بأن نتائج استطلاعات الرأي، تؤكد أن نسبة كبيرة من الأردنيين تميل لتأييد داعش، فقد شدد على أن مصدر منعة الأردن هو جبهته الداخلية القوية، وممارسات المواطنة الفاعلة، وأن الحوار واحترام القانون، هو السبيل الوحيد للوصول إلى أعلى درجات التوافق الوطني، ويعني هذا عنده بأن المناخ الـمتقدم من الحريات، والمشاركة السياسية والمجتمعية التي يمتاز بها الأردن، رغم وجوده في إقليم ملتهب، هي حصيلة مكتسبات الأمن والاستقرار، وللمرة الأولى منذ رفع عند بداية حكمه شعار "الأردن أولاً" كشف عبد الله الثاني التزام جيشه بالدفاع عن قضايا الأمة العربية وترابها وأمنها، من أي خطر يهددها، باعتبار أن الأمن العربي كل لا يتجزأ.
استناداً على الموقف الجديد، فإن الملك أكد ضرورة التزام كل مؤسسات الدولة، بدعم القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، ويعني ذلك ببساطة أن الأولوية في كل مناحي حياة الأردنيين، ستكون للجيش والمخابرات، وفي ذلك تفويض لهما بتوسيع مشاركتها في الحرب الدولية ضد "الإرهاب"، وفتح موارب للباب على إمكانية المشاركة في أي حرب برية محتملة ضد داعش ومن على شاكلتها، وتصميم على خوض الحرب ضد الإرهاب والتطرف، بكل الأشكال العسكرية والسياسية والفكرية، لكن قراراً كهذا لا يحظى بتأييد شعبي كامل، فثمة معارضة للتدخل الأردني في الحرب ضد داعش، ورفض للمشاركة في التحالف الدولي، لأن الأردن ليس مستهدفاً، ولا يوجد فيه حاضنة للإرهاب، والزج به في تلك الحرب، سيؤدي إلى خلل سياسي واقتصادي، وسيلقي الرعب في قلوب الأردنيين القلقين على مستقبلهم.
ما يخشاه الجميع فعلاً، أن تكون الحرب ضد الإرهاب، فرصةً للنظام لفرض الأحكام العرفية، والقفز على كل المكتسبات التي حققها الحراك الشعبي السلمي، خلال السنوات الثلاث الماضيات، صحيح أن الأردنيين يكنون لجيش بلدهم الحب والثقة، خاصة وأن كل منتسب إليه إنما قام بذلك برغبته وتحقيقاً لإرادته، ويتغاضون عن امتيازات كثيرة ينالها أبناء القوات المسلحة، لكن الصحيح أيضاً أن الأردنيين يخشون الوقوع تحت حكم العسكر، حتى وان كان ذلك مؤقتاً وبموجب أحكام الدستور، ذلك أن تجارب الشعوب العربية مع حكامها من العسكريين، لم تحمل لتلك الشعوب غير الغصة والألم.
يحب الأردنيون جيشهم ويثقون به، لكنهم يفضلون عليه الحكم المدني وسيادة الديمقراطية، باعتبار المخاوف من أن مشاركته بالحكم، في حال فرض الأحكام العرفية، سيفضي إلى انتزاع مكتسبات الحراك الشعبي، وزجه أيضاً في حالة التجاذب، بين الجمود الذي يسعى له سياسيون منافقون تحقيقاً لمطامعهم الشخصية، وبين التطلع الشعبي إلى مستقبل يعود فيه الحكم للشعب، كما ينص الدستور الذي يأمل كل أردني، أن يظل محل احترام المؤسسة العسكرية مهما تغيرت الظروف والأحوال.
خطاب العرش والجيش
[post-views]
نشر في: 5 نوفمبر, 2014: 09:01 م