TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > التعبيرية العراقية.. الحاضنة والمنفى

التعبيرية العراقية.. الحاضنة والمنفى

نشر في: 7 نوفمبر, 2014: 09:01 م

( 3 ) ( التغيير, هو ما أهدف إليه قبل كل شيء. فانا لا يمكنني الفصل بين الإحساس الذي أكنه للحياة وبين طريقتي للتعبير عنه) ـ ماتيس  ( أليست الأحلام كالأصوات, والأصوات كالألوان, والألوان كالموسيقى, إنني لأعشق موسيقى الألوان) ـ نولده 1ــ ستار كاوو

( 3 )

( التغيير, هو ما أهدف إليه قبل كل شيء. فانا لا يمكنني الفصل بين الإحساس الذي أكنه للحياة وبين طريقتي للتعبير عنه) ـ ماتيس 
( أليست الأحلام كالأصوات, والأصوات كالألوان, والألوان كالموسيقى, إنني لأعشق موسيقى الألوان) ـ نولده
1ــ ستار كاووش والأثر الضائع:
هل كان بإمكان الفنان(ستار كاووش) أن يتنبأ بما سوف يؤول إليه عمله التعبيري الأول. ولو في حدود المحافظة على ملامحه العامة. لست ادري. لكن, ربما كانت رسومه التسعينية تلك والتي تطالعنا بين فترة و أخرى, تذكارات صنعتها أزمنتها التاريخية الملتبسة, التي كان الفنان مشتبكا بتداعياتها المحلية التي احتوته. أزمنة الحرب والهزيمة والتمرد السري التسعيني المحلي. أزمنة تشبه ثمرة غير ناضجة’ فلا تلفظها الشجرة, ولا تشتهيها النفس. وكانت له طرقات المدينة وزواياها مرتعا يقصيه عن وحشة الذات في لحظات انكساراتها. ولم تكن له من السكينة نصيب. ولا من مجال يوفر له شروط التأمل, كما عرفته بعض الأجيال التشكيلية العراقية الأقدم. جيل بات الكثير منه عائدون من حتفهم, والكثيرون ينتظرون حتفهم المؤجل, أو منفاهم. ستار, وبيقظة مبكرة وعي مدى فداحة خساراته, أن بقي يدور في حلقة خواء محيط على حافة الانهيار. فاختار طريق الهجرة من اجل متابعة مشروعه الفني وسلامته الذاتية, على ما اعتقد. 
للشوارع ممرات سيرها المعلمة بآثار عجلات مركباتها المارة, مثلما هي معلمة بكعوب أحذية المارة. و للشوارع أخاديد خطوط سيرها, وتراكم آثار بصمات أرجل المارة الحفاة. وندى أنفاسها اللاهثة على دروب الحياة. ستار كاووش حاول جهده اقتحام هذه الآثار, لا ملاحقتها. فهو لم ير في الشخوص المارة, أو المتعثرة بخطاها, إلا كونها علامات فانية. يحاول اقتناص آثرها: خطوط خشنة نافرة, ألوان ناصعة, مقذوفة بدون تصنع. كما غبار طرقاته اللاهثة خلف عجلات مركباتها. فهو وعلى ما يبدو في عجالة من أمره. لا يعنيه من خطوط سير هذه المركبات شيء, سوى أن يقذف نفسه في لحظة ازدحامها, معترضا أكداس واجهاتها التي تشكل لغز حضارتنا المعدنية. أقنعة صلبة قاسية, ليس للخيال أو الشعر, أو حتى التأمل من مجال للنفاذ عبر متاهات واجهاتها. 
إن كان المستقبليون صنعوا من حراك زمنهم الصناعي تروسا لولبية متشظية. وأنتجوا لنا جمالا فنيا موازيا لقيمتها التعبيرية المتحركة. ستار في رسومه الحركية هذه, كان يتحاشى ما للمنحنى من رقة. فلا مجال للرقة في خطوط انحناءات أشكاله, حتى لو صنعها اضطرارا. هي تحافظ على قساوتها وخشونتها كبقية مفردات رسومه الأخرى. على الضد من صنعة المستقبليين الذين لم يحبذوا إخفاء رقتهم المندسة بين ثنايا صوامل مدنهم الآلية. هو, ربما كان يدرك ذلك. أو ربما لا يدري. لكن نسيج رسومه هذه كانت محكومة بسلطة قمع الرقة التي انغرست في ذاته في ذلك الزمن الحرج. هي نتاج غابة بكر غير مهذبة. بالرغم من انه كان يؤرخ لجغرافيا مدينته. لكنه طمر الجسد العياني للمدينة بتراكم جسد متخيل. جسد صنعته لحظات نزقة, ضمن توهان الذات المتعثرة بسيقان المارة المتناثرة بين تشابك مسارات دروبها المتقاطعة.
لم يألف التشكيل العراقي, ومعظمه صنعة تعتمد التكنيك احد فضائلها, رسوم ستار هذه. لقد كانت تمردا على المألوف(التكنيكي). فن خام يتحدى مألوف جمالية أعمال نظرائه الفنانين, حتى الشباب منهم. ولم يكن مزوقا بأي شكل من الأشكال في ذلك الزمن التسعيني.
هاجر ستار, ثم استقر نهائيا في البلد الأوربي(هولندا). فهجرته شخوص شوارعه العراقية بمظهرها الذي تسند تداعياته خطوطه الخشنة وعنف فرشاته الساخطة. هجر أجوائها المتقشفة, أو المكتظة ازدحاما, أو حطاما. ليحل محلها مساحات مؤثثة ببيئة ترفة مغايرة, مستعادة من رحم مرجعيته المحلية التي كان غافلا عنها في زمنه العراقي. ولكونه لم ينو أن يتحول لمجرد مؤرخ يستعيد وقائع ضائعة, أو متسربة. فانه حبذ استعادة صنعة أحلام كانت مطمورة, أو مؤجلة، انبعاثا جديدا. 
لقد باتت تلك الخشونة وحدة أداوت التعبير الأولى تخدش سطح أعماله الجديدة, فنبذها. ربما بتأثير من فضاءات المدارات الشمالية حيث السماء أرض, والأرض سماء تغوص في أعماقها. ولتتفتح زهرة حب كانت مخبوءة, مستبدلة عواصفه اللاهبة السابقة, ثنائيات حب أزلي. فهل كان ستار منذورا لقدر الحب, أو قدرته التي كانت مستترة منذ أيام الصبا. أن كان صراعه الأول وأزمنته العراقية, خلقت أعماله التعبيرية الأولى. الحب جرده من حدة هذا الصراع وادخله عالم الفنتاسيا العشقية. التي اختلط فيها المدرك اليومي بالحسي, المعقول باللامعقول, التعبير الحر بالسردي النمطي, الغريزي بالمتسامي. وربما ساعدته خبرته السابقة بالرسم الصحفي لخلق مناخاته السردية الموازية لنصوصه الفنية المتخلية, لا المفسرة, أو المؤله, في تجميع ولصق مفردات رسومه وتداخلها أو انصهارها وحدة موضوعية لا تخطاها العين. أخيرا, ماذا فعلت رحلة ستار الاغترابية لتحدث هذا الشرخ التعبيري, وماذا فعل هو ليعيد توازن ذاته بعيدا عن كل شرخ. وسط فضاءات متغيرة مغايرة. اعتقد انه لم يكن بمقدوره مقاومة هذه المتغيرات الزمكانية الدراماتيكية. لذلك ترك نفسه تعوم في فضاءاتها. والتوهان في تداعيات صور أحلامها الواقعية السحرية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram