سيكون مدهشاً أن تنام دول الخليج العربي على حرير بُعدها عن "الربيع العربي"، وأن تظن أنها استثناء من تداعياته، الناجمة عن العديد من العوامل الاقتصادية والسياسية والثقافية، وقد انتشرت نتائجه في الدول التي مر عليها هذا الربيع مخلفاً الفوضى والخراب، وناشراً للحرب الأهلية التي ستنتهي بتقسيم المقسم، وتعيد رسم خرائط سايكس بيكو، فالمنظومة الخليجية تحمل في أحشائها كل المعطيات المؤدية للانفجار، ما لم يتدارك حكامها الوضع قبل أن تتلاشى دول وتنشأ أخرى، وينبغي القول إن هذه النظرة المتشائمة لمستقبل الدول الخليجية، ليست من عندياتنا، فقد صدرت عن عدة مؤسسات عربية وأجنبية، معنية بدراسة حاضر المنطقة ومستقبلها.
ما يدعو لهذا الاستنتاج الممكن وصفه بالتحدي، هو طبيعة الأنظمة الحاكمة من جهة، ومصادر الدخل من الجهة الثانية، فالدول الخليجية محكومة من عائلات لم تحاول الوصول إلى الدولة المدنية، بصفاتها المعروفة من انتخابات وبرلمانات تنبثق عنها الحكومات، ولاهي آمنت بتداول وتقاسم السلطة أو سيادة الديمقراطية، أو حتّى الحرية الشخصية لمواطنيها، وليس هذا اعتراضاً على وجود عائلة حاكمة، فثمة العديد من العائلات المالكة في أكثر الدول الديمقراطية، لكنها عائلات لم تحتكر السلطة بقدر ما أعادتها لشعوبها عبر الانتخابات وتشكيل الحكومات البرلمانية، بينما اعتبرت العائلات الحاكمة في الخليج، أن السلطة لها وحدها والشعب رعية، وليس غريباً أن تتشكل حكومات بعضها من وزراء أغلبهم من أفراد العائلة، خصوصاً الوزارات السيادية التي تظل حكراً عليهم، يتوارثونها في مجتمعات سعى الحكام لأن تظل محكومة بثنائية المحافظة والدين، وبحيث توالدت فيها أشكال متعددة من الفكر التكفيري العابر للحدود، في دول لم يقتنع الجميع بحدودها المصطنعة.
يتعلق الأمر الثاني بمصادر الدخل، حيث يعتبر النفط المصدر الأول الذي أنعم بالرخاء والوفرة، غير أن تطور العلم ينبئنا أن هذه الثروة التي تدفقت على الخليج، ليست مرشحة للاستمرار على حالها، وبينما يتوقع انخفاض أسعار هذه السلعة بتسارع مدهش، فإن على الجميع انتظار تحول المجتمعات الاستهلاكية بنهم إلى مجتمعات فقيرة، بينما تشهد الموازنات الحكومية عجزاً متزايداً، خصوصاً أن الاتكالية منعت تنفيذ مشاريع تنويع مصادر الدخل، كما منعت من التحضير لمستقبل نضوب النفط أو انخفاض أسعاره، وليس سرا أن العديد من مراكز صنع القرار في العالم، بدأت التحسب لانحسار الظاهرة الخليجية، التي تعاظم دورها منذ ما يقارب الأربعة عقود، وما إذا كانت قادرة على الاحتفاظ بمجتمعات موحدة، اعتادت العيش برخاء والاستهلاك بغير ضوابط في دول لازالت متماسكة، ولكن لا يعرف أحد شكل اقتصادها المستقبلي، إن صدقت التنبؤات بالنسبة للنفط، وما إذا كان سيستمر كسلعة استراتيجية يحتاجها العالم، ولا يمكنه الاستغناء عنها.
ليس ممكناً هنا إغفال تأثيرات قيام "دولة الخلافة" في بلاد الشام والعراق، نتيجة الواقع المرفوض شعبياً، والمحافظ عليه باستماتة من الحكام، وهل من الممكن التخلص من مأزق قيامها، قبل أن تتمدد إلى شواطئ الخليج وجزيرة العرب، خصوصاً وأن كل الدلائل تؤشر أن المنطقة بأكملها، ستواصل العيش في حال من عدم الاستقرار لعقدين على أقل تقدير، لن ينقضيا قبل رسم خرائط جديدة، وولادة دول جديدة بعد 100 عام على حدود سايكس بيكو، التي ستتغير بأيدي أبناء المنطقة أولاُ، وبدعم العديد من دول العالم.
الخليج العربي وربيعه
[post-views]
نشر في: 8 نوفمبر, 2014: 09:01 م