TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ما لا يطلبه المواطنون

ما لا يطلبه المواطنون

نشر في: 9 نوفمبر, 2014: 09:01 م

"لا أعرف التمثيل" مقالة نادرة كتبها الفنان الراحل سليم البصري في نهاية السبعينيات ونشرتها مجلة الإذاعة والتلفزيون، وفيها يجيب على سؤال عن فهمه لمهنة الممثل: "عندما قررت ان أكون ممثلا لم يكن أمامي من نموذج أقلده سوى يوسف وهبي، ولهذا ما ان عرفت أن احدى الفرق المسرحية نشرت إعلانا تطلب فيه ممثلين، تقدمت وأديت احد أدوار يوسف وهبي، الأمر الذي دفع القائمين على الفرقة إلى طردي،ومن يومها اكتشفت ان ما قمت به لم يكن تمثيلا "ويضيف "أنا مدين بمكانتي وشهرتي لممثل عظيم هو يوسف وهبي لأنني لم أستطع تقليده".
عندما تقدم الرجل النحيل بكتفيه الهزيلتين بعد ذلك بسنوات إلى التلفزيون لم يكن يحلم في أن يصبح النجم الأول، فقد كانت النجومية تعني خشونة في الصوت ووسامة وشبابا، لكن صاحبنا الذي جاء إلى التمثيل من كلية الآداب، كان أقرب إلى وجوه موظفي الحكومة، لا وسامة ولا فذلكات تراجيدية تجعل من"حقي الشبلي"يسعى إليه ليضمه إلى فرقته.
إلا أن الممثل الباسم اذهل المشاهد بتلقائيته التي كانت تخفي وراءها طاقة تمثيلية هائلة، فقد قرر ان يكون سليم البصري لاغير. لا أقل قليلا ولا أكثر كثيرا. وقرر أيضا ان ينسينا نحن المتفرجين أننا نجلس أمام التلفزيون، فأخذنا لنجلس معه،يتحدث فننصت إليه، يحرك يده فتذهب أنظارنا باتجاهها، يضحك فتنطلق ضحكاتنا مجلجلة، ينهض فنستعدّ للذهاب معه.
تذكرت سحر سليم البصري وأنا أشاهد كماً هائلا من السياسيين الذين يخوضون على الشاشة صراعا مع"السذاجة"، يقودنا نحن المتفرجين في كل مرة إلى ان نضغط على زر الريمونت لنهرب بعيدا.
أنا ياسادة من الذين اعتقدوا ان ساستنا سيكونون بديلا صالحا في فن الصدق ، لا في فنون الكذب. معتدلين وأكفاء، يضعون رؤوسهم على نبض الناس، ويصغون إلى آلامهم ويشاركوهم أفراحهم وأحزانهم.
في كل مرة أرى نفسي مضطرا للاعتذار عن جهلي في الكوميديا العراقية وحكمة السادة الوزراء والنواب.. إليكم ما لا أستطيع تفسيره وهضمه: وزير الخارجية إبراهيم الجعفري يقول:"علاقتنا بتركيا ليست علاقة حديثة إنـَّما هي علاقة مُتجذرة بجذور التاريخ، إنها تـُعبِّر عن حقائق جغرافيّة ثابتة على طول التاريخ، وفي الوقت نفسه الموارد الحيويّة،إذ إنَّ بعض منابع دجلة والفرات من تركيا"أتمنى ان لا يتذكر احد منكم سليم البصري وهو يحاول ان يقنعنا انه خبير باللغة الهندية ولهجاتها.
من موقف كوميدي إلى فاصل اكثر ضحكا، هذه المرة بطله رئيس مجلس النواب الذي خرج علينا قبل أيام بمشروع المجلس الأعلى للعشائر الذي يريده بديلا لمؤسسات الدولة،
أرجو ألا يظن أحد أنني أسخرُ من السادة المسؤولين ، فما يجري تجاوز فــن السخرية بمراحل كبيرة، لكنني أحاول القول: إن لا شيء يحمي الشعوب من الدخول في جُبِّ السخرية سوى ساسة يؤمنون بما يقولونه، ويتحملون مسؤولياتهم في الصح وفي الخطأ.
لن أحيلكم جنابك إلى مرة أخرى إلى مسلسلات سليم البصري ولكن أتمنى عليكم قراءة الخبر الآتي بإمعان:
قال عضو مجلس النواب جمعة ديوان"سنقدم طلبا إلى رئاسة البرلمان للضغط برفض دخول العسكريين الأمريكيين الـ1500"..وأضاف ديوان"اذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية جادة في توجهاتها فعليها تدريب القوات العراقية في واشنطن أو أي بلد آخر وليس التدريب على الأراضي العراقية".
يوصي العبقري لورنس اوليفيه احد الممثلين الشباب :"حتى ابسط الأشياء التي يستطيع كثير من الممثلين القيام بها تحتاج إلى موهبة حقيقية"
ولهذا أوصي النائب جمعة ديوان ان يتوقف عن الكوميديا ، ففي النهاية سيشيح الناس بوجوههم عنه ،لأنه يخوض صراعا يائسا مع غياب الموهبة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. خليلو...

    بعدما يزيدعلى نصف قرن على إلغاءقانون نظام العشائر يأتي دكتور في القانون ليبعث نظام العشائر ليكون بديلا عن دولة مدنية نحلم بها فيا لنامن بؤساءتعساء

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram