تؤشر نتائج الانتخابات النصفية في مجلس الشيوخ الأميركي، وفوز الجمهوريين بالأغلبية إضافة لأغلبيتهم في مجلس النواب، إلى أن آخر سنتين من رئاسة الديمقراطي بارك أوباما، ستكونان الأكثر خمولاً من سنواته الثمانية، التي تميزت بانحسار النفوذ الأميركي في أكثر من موقع على خارطة العالم، أوباما اليوم أمام سيطرة خصومه بالكامل على الكونغرس، ما يمنحهم القدرة على إملاء الأجندة البرلمانية للسنتين القادمتين، حيث سيكون بإمكانهم تعطيل مشاريعه كافة، ومنعه من تعيين كبار المسؤولين الحكوميين، ما دفعه بالضد من إرادته ورغبته إلى إعلان عزمه على التعاون مع خصومه، ليكون العامان المقبلان بناءين بأفضل ما يمكن، على حد تعبيره.
ارتفع تمثيل الجمهوريين في مجلس الشيوخ إلى مستوى غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، بعد انتزاعهم سبع ولايات من خصومهم الديموقراطيين، وفي مجلس النواب، كسبوا عشرة مقاعد على الأقل، ويداري الديمقراطيون هزيمتهم بالقول إن رسالة الناخبين واضحة، وتتمثل برغبتهم في رؤية الحزبين يعملان معاً بعدما شهد الكونغرس حالة شلل، خلال العام الماضي، غير أن الواقع يقول إن الجمهوريين سيصرون على الاستمرار في أولوياتهم السياسية، ما سيجبر أوباما على التفاوض معهم وفق شروطهم، رغم إدراكهم أن الرئيس الديمقراطي سيظل ممسكا بسلطة النقض، ولن يغامر بإصدار قوانين مثيرة للجدل، خصوصاً وأن نتائج الانتخابات تؤكد ملل الأميركيين من صراع الحزبين، الذي منع الكونغرس المنقسم من إقرار أي إصلاح كبير.
على صعيد السياسة الخارجية لواشنطن، وهي ما يعنينا، فإن أوباما طلب من الكونغرس المسيطر عليه جمهورياً، دعمه بتفويض جديد لقتال الدواعش، باعتبار أن لدى الأميركيين الآن عدوا من نوع مختلف، يحتاج التعامل معه إلى استراتيجية مختلفة، وبحيث يتوجب تنظيم الشراكة مع العراق ودول الخليج الأخرى والتحالف الدولي، ورأى أن الأمر يحتاج إلى تفويض جديد لاستخدام القوة العسكرية ليعبر عن أن "استراتيجيتنا الحالية ليست رهينة شهرين أو ثلاثة مقبلة، وإنما هي استراتيجيتنا في المستقبل"، لكنه لم يذكر إيران التي تشكل العلاقة معها المعضلة الأكبر للسياسة الأميركية خصوصاً والغربية بشكل عام، مع ضرورة التذكير بأنه من المفترض أن تنتهي مفاوضات إيران مع الدول الست نظرياً أواخر الشهر الحالي، ومؤكد أن الجمهوريين سيستغلون أكثريتهم النيابية، لانتقاد استراتيجية أوباما ضد تنظيم داعش، حتى وإن كانوا يشاطرونه الهدف النهائي، وسيأخذون عليه طريقته في التعامل مع معارضي الأسد عسكرياً وسياسياً، وهم أعلنوا مسبقاً بأنه ليس هناك استراتيجية أميركية بشأن سوريا، وفيهم صقور يطالبون حتى بالتدخل العسكري لإطاحة الأسد.
جرت العادة أن تأتي نتيجة الانتخابات النصفية سلبية للرئيس وحزبه، لأنها تكون فرصة للاعتراض على السياسة الداخلية، غير أن الأمر مختلف هذه المرة، مع بروز وتنامي خطر الجماعات الجهادية والتكفيرية الإسلامية في الشرق الأوسط، وليس سراً أن البعض يتهم سياسات أوباما بتشجيع التكفيريين، والتردد المرضي في مواجهة موجة الاستيطان الإسرائيلي في الأرض المحتلة، ما أضعف رصيد قوى الاعتدال في المنطقة، كما أن تخليه السريع عن نظامي زين العابدين بن علي وحسني مبارك، وتشجيع الإسلام السياسي، أسفر عن فوضى عارمة بينما سرّعت واشنطن انفتاحها على طهران قبل أن تتبين مفاصل سياسات الرئيس روحاني، ومواصلة مماطلة مفاوضيها في الملف النووي، وتخليها عن معارضي الأسد المعتدلين ما أضعفهم وقوى شوكة المتطرفين.
المهم أن السنتين الأخيرتين من ولاية أوباما ستشهدان تغييرات بارزة في الشرق الأوسط، وبديهي أن سيطرة الجمهوريين على المؤسسة التشريعية ستحد من تردده القاتل، بينما يبدو أن عدداً من المشرعين الديمقراطيين بدأوا مرحلة النأي عن رئيسهم المتخاذل، لقناعتهم بأنه بات عبئاً عليهم، بينما ينتظر العالم مرحلة غليان ليست خافية.
الجمهوريون يعودون للسلطة
[post-views]
نشر في: 9 نوفمبر, 2014: 09:01 م