"الحكيم بخيلا" للصحفي وعالم الآثار المصري كمال الملاخ، كتاب من كتب الجيب لا تتجاوز صفحاته المئة والخمسين، يتناول موضوعا طريفا عن حرص توفيق الحكيم الذي كان "دائما يحكم إغلاق جيوبه على ما فيها من دفاتر شيكات ومحفظة نقود خالية من النقود". وفي الكتاب يروي الملاخ أيضا حكاية الحكيم مع مجمع اللغة العربية، وكيف ان صاحب فلسفة التعادلية حاول أثناء عضويته للمجمع ان يصدر معجماً بمفردات الحب في اللغة العربية ، مبرراً ذلك ان العرب اكثر الشعوب استخداماً لمفردات الهوى والعشق والتغني بعبلة وليلى ولبنى وعزة.
فتلكَ الـتي هــامَ الفـؤادُ بحــــبِّها … مهفــهـفةً بيـــضاءَ دُريَّة القــُـبلِ
اليوم نقف جميعا صفا واحدا ضد لغة الحب، ونسعى ان نفتح ألف باب من أبواب حديث القتل والثأر والطائفية والانتهازية والمحسوبية واضف إليها جهاد النكاح وإرضاع الكبير، ولا تنسى داعش ودابق وما بينهما"مفردة" الميليشيات التي يراد لها ان تأخذ في قاموس السياسة مكان مؤسسات الدولة ، من دون إضافة جديدة للبشرية في مجال الطب أو العلوم أو الاقتصاد، فقط النجاح أولا وأخيرا لقانون الاواني المستطرقة .. ألم يصبح عدد قتلى عشائر البونمر مساوياً لقتلى سبايكر؟ خبر سعيد يضاف إلى أخبار المنجزات التي نحققها يوما بعد آخر، وبراءة اختراع تمنح للسيدة حنان الفتلاوي صاحبة نظرية المساواة في عدد الضحايا..
إذا صحت الأرقام التي ينشرها السيد ميلادينوف عن حصيلة الموتى والمقطـَّعة سيقانهم والموشمة أجسادهم بالشظايا وإطلاقات"الفاعل المجهول "، فإننا نكون حقاً أوفياء لذكرى تاريخ مجيد كان فيه أهل العراق يتلفتون في الطرقات، كل يقول لصاحبه"انج سعد فقد هلك سعيد"انجاز قبل منجزات الثورة الفرنسية بألف عام ، يوم كان الفرنسيون يتهامسون في ما بينهم "أحمد الله لأنني بقيت حياً".
الفرنسيون الذين بقوا أحياء، استطاعوا خلال القرون الثلاثة الماضية ان يطووا صفحة الرؤوس اليانعة، ويفتحوا صفحات جديدة من الحب والتسامح والعمل، ففي تقرير ممتع تناقلته امس وكالات الأنباء اكد موقع غوغل من ان اللغة الفرنسية أصبحت لغة الحب الرسمية في العالم. فيما احتلت لغة لوركا المرتبة الثانية ثم تليها الروسية، والإيطالية، ثم الألمانية، وفي المرتبة السادسة الإنكليزية، أما لغة الضاد فقد اهتم أبناؤها بإحصاء عدد الرؤوس التي تقطعها داعش كل يوم وبمتابعة خطب الخليفة البغدادي التي شعارها"ان قوام الدين السيف"فيما آخرون مصرون على المضي بنا إلى مفردة فـرَّق ومشتقاتها بدَّدَ , بَعْثَرَ , جَزَّأَ , شَتَّتَ , شَرَّدَ , قَسَّمَ , مَزَّقَ ، كما جاء في بيان على الفيسبوك يطالب أصحابه بإقامة إقليم سومر الذي من مواصفات المواطنة فيه انه يحترم الدين الرسمي للدولة السومرية وهو الإسلام الشيعي .
وأنا اقرأ هذا البوست"الظريف"عدت بالذاكرة إلى المشهد الاسكتلندي، وكيف ذهب اختيار الناس إلى فعل"جمـَّع"ومشتقاته , إِدْماج , استيعاب , اشتمال التئام. وشاهدنا آنذاك كيف خرج أليكس ساموند، الذي قاد حملة الاستقلال ليقدم اعتذاره إلى الشعب البريطاني لأن حملته ربما أحدثت تصدعات في المجتمع الذي يريد له جميع الساسة ان يبقى متماسكاً.
يكره ساستنا مفردة الحب، وتتذكرون خطب اصحاب المنابر والساسة الذين اعتبروا يوم الحب تقليداً فاحشاً للغرب الكافر، وكيف ان عباس البياتي الذي نفتقده كثيرا هذه الأيام قال ذات يوم "لا يوجد في الدين الإسلامي عيد للحب ولا يمكن تداول مثل هكذا مناسبة ليس لها بُعد تراثي!"
قال ديغول وهو يتأمل ما وصلت إليه فرنسا من تطور واستقرار: لا يقوي السلطة مثل الحب.
لا تقولوا لي إنك تفكر في مسؤولين على شاكلة ديغول، ودولة مثل فرنسا ، ونحن بلاد علّمنا العالم، ان هناك رؤوسا أينعت وحان قطافها..واننا في مرحلة تمزيق الممزق، وتشتيت المشتت مع الاعتذار للسيد الجعفري.