TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مباركـــة يا بغـــداد

مباركـــة يا بغـــداد

نشر في: 11 نوفمبر, 2014: 09:01 م

أحتفظ بنسخة من محاضرة عن (بغداد في الأدب الشعبي) عمرها 45 عاماً كان قد ألقاها أستاذ الأدب الشعبي بجامعة القاهرة الدكتور عبد الحميد يونس. المحاضرة ألقيت في كلية الآداب ببغداد عام 1969. 
عدت للمحاضرة وأنا أقرأ خبرا مصريا في جريدة "الأهرام" يبشر الإنسانية بمقتل "أبو بكر البغدادي". في مطلع الخبر جاء أن "من يدعى إبراهيم بن عواد بن إبراهيم القرشي الحسيني والمعروف بأبو بكر البغدادي، وهو من أبناء مدينة سامراء والذي نصّب نفسه خليفة للمسلمين بعد دخول داعش إلى الموصل في 10من حزيران/يونيو الماضي، أصيب في البداية إصابة بالغة في الرأس وتوفي بعد ساعات من إصابته". وان كان هذا هو الممات الذي يسرّ كل محب للحياة، إلا ان الخبر استوقفني عند اتخاذ هذا السفاح  لقب "البغدادي" كنية له وهو ليس من بغداد ولم يولد فيها.
في محاضرته استعار الدكتور يونس من اللغة الإنجليزية مصطلح "جنتلمان" ليصف به الإنسان البغدادي. يوضحه بأنه الإنسان المصقول حضاريا، وأن الناس كانوا يقصدون بغداد ليتعلموا منها فن التحضر. يأتوها ليتخلصوا من مخلفات العصبية القبلية وخشونة البداوة ليدخلوا أبواب الحياة الإنسانية ونعومة الحضارة. يذهبون إليها كي ينعموا بالدلال بعد ان يتذوقوا طعم الحب البغدادي، فيتبغدد الرجل بعشقه وتتبغدد المرأة بدلالها وجمالها. 
المتبغدد إذن" جنتلمان". و"الجنتلمان" هو الرجل الذي يجتمع فيه النبل مع الفروسية والشهامة والمروءة ويتسم سلوكه وحتى مظهره بالتحضر والرقيّ. وهكذا يجب ان يكون من يتخذ "البغدادي" صفة أو لقبا.
نعم، يستحقه ابن زريق البغدادي الذي قال:
أستَودِعُ اللَهَ فِي بَغدادَ لِي قَمَراًبِالكَرخِ مِن فَلَكِ الأَزرارَ مَطلَعُهُ
وَدَّعتُهُ وَبوُدّي لَو يُوَدِّعُنِيصَفوَ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودعُهُ
لكن هل يستحقه من استأسد على طفلة إيزيدية عزلاء لينتزعها من أحضان أرضها وأهلها سبية يلفّ بها أسواق النخاسة؟ أ بغدادي ويولي شبابا عزّل ولية مخانيث ليذبحهم دون إعطاء فرصة لأي منهم كي يدافع عن نفسه في سبايكر؟ 
وإن كنت مع من يرى في قتله انتقاما لأهل السماء ممن عاثوا دمارا في أهل الأرض، لكني أرى في ذلك، أيضا، حوبة من حوبات بغداد التي اغتصب اسمها هذا السفاح الهمجي. مباركة يا بغداد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. بغداد

    رحم الله ابو جعفر المنصور هو من بنى بغداد. مقال رائع وانشاء الله ترجع بغداد ويرجع البغداديون ألم تكوني زماناً قرة العين فمن ذا أصابك يا بغداد بالعين

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

باليت المدى: جوهرة بلفدير

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram