أحتفظ بنسخة من محاضرة عن (بغداد في الأدب الشعبي) عمرها 45 عاماً كان قد ألقاها أستاذ الأدب الشعبي بجامعة القاهرة الدكتور عبد الحميد يونس. المحاضرة ألقيت في كلية الآداب ببغداد عام 1969.
عدت للمحاضرة وأنا أقرأ خبرا مصريا في جريدة "الأهرام" يبشر الإنسانية بمقتل "أبو بكر البغدادي". في مطلع الخبر جاء أن "من يدعى إبراهيم بن عواد بن إبراهيم القرشي الحسيني والمعروف بأبو بكر البغدادي، وهو من أبناء مدينة سامراء والذي نصّب نفسه خليفة للمسلمين بعد دخول داعش إلى الموصل في 10من حزيران/يونيو الماضي، أصيب في البداية إصابة بالغة في الرأس وتوفي بعد ساعات من إصابته". وان كان هذا هو الممات الذي يسرّ كل محب للحياة، إلا ان الخبر استوقفني عند اتخاذ هذا السفاح لقب "البغدادي" كنية له وهو ليس من بغداد ولم يولد فيها.
في محاضرته استعار الدكتور يونس من اللغة الإنجليزية مصطلح "جنتلمان" ليصف به الإنسان البغدادي. يوضحه بأنه الإنسان المصقول حضاريا، وأن الناس كانوا يقصدون بغداد ليتعلموا منها فن التحضر. يأتوها ليتخلصوا من مخلفات العصبية القبلية وخشونة البداوة ليدخلوا أبواب الحياة الإنسانية ونعومة الحضارة. يذهبون إليها كي ينعموا بالدلال بعد ان يتذوقوا طعم الحب البغدادي، فيتبغدد الرجل بعشقه وتتبغدد المرأة بدلالها وجمالها.
المتبغدد إذن" جنتلمان". و"الجنتلمان" هو الرجل الذي يجتمع فيه النبل مع الفروسية والشهامة والمروءة ويتسم سلوكه وحتى مظهره بالتحضر والرقيّ. وهكذا يجب ان يكون من يتخذ "البغدادي" صفة أو لقبا.
نعم، يستحقه ابن زريق البغدادي الذي قال:
أستَودِعُ اللَهَ فِي بَغدادَ لِي قَمَراًبِالكَرخِ مِن فَلَكِ الأَزرارَ مَطلَعُهُ
وَدَّعتُهُ وَبوُدّي لَو يُوَدِّعُنِيصَفوَ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودعُهُ
لكن هل يستحقه من استأسد على طفلة إيزيدية عزلاء لينتزعها من أحضان أرضها وأهلها سبية يلفّ بها أسواق النخاسة؟ أ بغدادي ويولي شبابا عزّل ولية مخانيث ليذبحهم دون إعطاء فرصة لأي منهم كي يدافع عن نفسه في سبايكر؟
وإن كنت مع من يرى في قتله انتقاما لأهل السماء ممن عاثوا دمارا في أهل الأرض، لكني أرى في ذلك، أيضا، حوبة من حوبات بغداد التي اغتصب اسمها هذا السفاح الهمجي. مباركة يا بغداد.
مباركـــة يا بغـــداد
[post-views]
نشر في: 11 نوفمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
بغداد
رحم الله ابو جعفر المنصور هو من بنى بغداد. مقال رائع وانشاء الله ترجع بغداد ويرجع البغداديون ألم تكوني زماناً قرة العين فمن ذا أصابك يا بغداد بالعين