ما يحسب لإدارة مهرجان أبو ظبي السينمائي هو القرار الجريء بكسر التابو الذي اعتادته الكثير من المهرجانات ، بان يكون فيلم الافتتاح فيلما عالميا ، ذا إمكانية إنتاجية كبيرة ، مع حشد من النجوم ، وأسماء مخرجين كبار ، فجاء القرار بان يكون فيلم الافتتاح عربيا
ما يحسب لإدارة مهرجان أبو ظبي السينمائي هو القرار الجريء بكسر التابو الذي اعتادته الكثير من المهرجانات ، بان يكون فيلم الافتتاح فيلما عالميا ، ذا إمكانية إنتاجية كبيرة ، مع حشد من النجوم ، وأسماء مخرجين كبار ، فجاء القرار بان يكون فيلم الافتتاح عربيا إماراتيا ، فهل كان الفيلم بمستوى القرار ؟؟
الفيلم توفر على جمهور عريض ومن مختلف الجنسيات ، متخصصين بالسينما ، مخرجين ونقاد وممثلين وجمهور شغوف بالسينما ، ضمهم حفل الافتتاح ، هذا الجمهور تفاعل مع الفيلم من بدايته الى اخره ، وهو أول مؤشرات نجاح الفيلم .
(من الف الى باء) ، رغم كونها المسافة الأقصر بين الحروف الأبجدية العربية ، لكن أريد من العنوان هنا ان يكون مفارقا في الدلالة ، لان العرب اعتادت ان تقول مثلا " سأشرح لك الأمر من الف الى الياء ، وهي مسافة طويلة في حساب الحروف ، لكن الرحلة من " أ " أبو ظبي وصولا الى " باء " بيروت ستكون طويلة وتمر ببلدان عربية ويمكن لأي منا تأويل معنى الحرفين حسب السرد الصوري الحاصل فيها .
الفيلم يصنف ضمن أفلام الطريق التي شاهدنا العديد منها ، عربية وعالمية ، السيناريو الذي كتبه محمد حفظي ، محبوك ومحسوب بدقة وبلا ترهل ، الأمر الذي مكن مخرج العمل علي مصطفى الذي سبق وان حصل على جائزة افضل فيلم إماراتي في مهرجان دبي عن فيلمه (دار الحي) ، من الاشتغال على فيلم يحكي عن شخصيات تماثله في العمر ، وربما تحمل تفس همومه وتطلعاته ، رامي ويوسف وعمر ، ثلاثة أصدقاء لم يلبوا دعوة صديقهم الرابع هادي للقيام برحلة من أبو ظبي الى بيروت برا ، فذهب وحده لكن الموت كان بانتظاره فمات هناك بسبب الحرب اللبنانية الاسرائيلية ، لذا قرروا القيام بالرحلة وفاء له ولزيارة قبره في بيروت ، يطلعنا الفيلم على وضع كل منهم ، مصري وإماراتي وسوري ، الدراسة في أبو ظبي كانت سبب تعارفهم ، كل منهم له طموحاته ، يتمنون ان يرسموا مستقبلهم وفق تطلعات الشباب الذي لا توقفه حدود ، الرحلة كانت المغامرة التي تلبي حماس الشباب وطموحهم ، رحلة يتخللها العديد من العقبات والمفارقات ، تمر بقرى السعودية وآثار بترا الأردن ، حيث يتعرفون على الشابة شادية العاملة في احد مقاهي المدينة ،ليتبين انها كانت صديقة لهادي ، مرورا بمدينة درعا السورية التي شهدت انطلاقة الثورة السورية ، في درعا يلقى القبض عليهم من قبل الثوار ، ومن ثم يطلق سراحهم ، الجيش السوري يلقي القبض عليهم هو الآخر ، لكن كون والد الشاب عمر هو دبلوماسي سوري يشفع لهم ، فيطلق سراحهم ، ومن ثم يصلون بشق الأنفس الى نهاية الرحلة حيث المكان الذي دفن فيه هادي صديقهم الذي جازفوا للوصول الى قبره ، وإلقاء التحية عليه .
الفيلم يطرح إشكالية تعامل الأسر العربية مع أبنائها ، وحرصها على ان يسير الأولاد وفق الخط الذي ترسمه لهم ، لكن واقع الحال يقول ان التطور الكبير الحاصل على كافة المستويات وتأثير الثقافات والعادات والتقاليد بهذا التطور ، قد يمنع سيطرة العائلة وتوجيهها لمستقبل أولادها ، على الأقل بموضوعة توجهاتهم وتطلعاتهم ، فاندفاع الشباب وطموحه لا تقف أمامه حدود معينة ، والجيل العربي الجديد مطلع على كافة الثقافات ، ومدن عربية كثيرة تضم أناسا من ثقافات مختلفة ، لا يمكن ان يكون تواجدها بعيدا عن التأثر والتأثير في محيط هذه المدن وفي ثقافتها كذلك ، وأول من يتأثر هم جيل الشباب المتلهف للاطلاع على كل ماهو جديد ، والعمل على الاطلاع على باقي الثقافات .
يبدو ان علي مصطفى أراد ان يذهب بعيدا في مغامرته ليس على مستوى الحكاية فقط ، بل على مستوى اختيار الممثلين الرئيسيين ، حيث لم تكن لهم تجربة سابقة في التمثيل ، فكان ان نجح في ذلك ، وأدى ممثلوه أدوارهم بعفوية وتلقائية واضحة ، وهم فهد البتيري ، شادي الفونس ، فادي الرفاعي ، مادلين زيما ، وليرسخ ذلك ويسنده ، كان ان عمد الى إشراك نجوم عرب مهمين بأدوار ثانوية ، منهم النجم المصري خالد أبو النجا ، والنجم علي سليمان ، وسامي المصري ، والمخرج نواف ابو النجا ، وغيرهم .
الحكايات الجانبية إضافت الى الفيلم لمسة كوميديا مهمة ، حكاية الفتاتين اللتين يتعرفون عليهن في الطريق ، ليتبين أنهن من اسرائيل ، وردة الفعل المعبرة عن ردة فعل عربية عامة ، عطل السيارة وصاحب ورشة التصليح ، الحوار بين الشباب وأهلهم ، كل له حكايته الخاصة مع عائلته .
أفلام الطريق قد لا تحتاج الى مواقع تصوير خاصة ، فالجو العام يعوض عن ذلك كثيرا ، لكن ثمة حركة رشيقة للكاميرا ، والجهد المبذول في اختيار الزوايا كان واضحا فكانت دلالتها التعبيرية واضحة ، ومعبرة نجحت في إبقاء المشاهد متابعا ، خصوصا وان الفيلم اصطحبنا في رحلة سياحية بين عدة بلدان عربية .
الفيلم كان معبرا عن الجهد الذي تبذله دولة الإمارات في السعي الدائم والدؤوب للنهوض بواقع السينما الإماراتية الفتية ، وجعلها في مصاف السينمات الاخرى سواء في المنطقة او العالم ، ولم يعد من الصعب عمل أفلام روائية طويلة ، خصوصا وان الدعم موجود ، والبلاد العربية تشهد العديد من الأحداث التي يمكن ان تكون موضوعا لهذه الأفلام او العمل على هامشها والإشارة اليها كما في فيلم علي مصطفى ، حيث الانتفاضة او الربيع العربي هو الحدث الواضح وقوعه والذي كانت الحكاية تسير الى جانبه من خلال مشاهد التصوير في وسريا وحكاية الفتاة شادية التي وصلها الشباب الى مدينة درعا .
مهرجان أبو ظبي كسر التابو القديم فكان فيلم الافتتاح عربيا إماراتيا ، فهل وفق في ذلك ، الجواب نعم ، بدليل ان الفيلم حاز إعجاب حشد الجمهور الذي حضر الافتتاح وتفاعل مع الفيلم ، لذلك جاء قرار ادارة المهرجان موفقا ، ومؤكدا اننا لم نعد نقيم المهرجانات فقط بل نقدم أفلاما مهمة ونبني سينما مهمة ومتميزة في مواضيعها وإخراجها .