TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بغداد والرياض مستحيلات وممكنات

بغداد والرياض مستحيلات وممكنات

نشر في: 12 نوفمبر, 2014: 09:01 م

بينما احاول التفكير اليوم بمبررات التطبيع بين بغداد والرياض، انتبهت الى ان مهمتنا كعراقيين عسيرة للغاية، ونحن ننزلق على خطوط امداد وصراع وفتوحات وجبهات، تفصل احفاد صانع النرد (الزار)، الحكيم الفارسي بوزرغمهر، واحفاد قصي بن كلاب في نجد وتهامة وعسير، الذي قام بتغيير وجهة الترانزيت الدولي مستغلا خراب طريق الحرير اثناء حرب الفرس والرومان الطويلة.
فالرياض ولاسباب كثيرة، ستستقبلنا بوصفنا متهمين باننا جسر لتأثيرات طهران. وهذا كلام يمكن ان نقوم بمعارضته بشدة، كما يمكن لاصحابه الدفاع عنه بشدة.
وبالمقابل سنواجه نحن اكثر من محنة لا في حوارنا مع الرياض وحسب، بل في ادارة علاقتنا غير المعرفة بما يكفي، مع طهران. ان هناك اطرافا عراقية مهمة تعتقد ان السعودية لم تقم بالمطلوب في كف الاذى "التكفيري" عن العراق، وان الخطوات المتخذة خلال الشهور الماضية لم تكن كافية. وهنا سنكون ايضا امام كلام يمكن ان نقوم بمعارضته بشدة، كما يمكن لاصحابه الدفاع عنه بشدة.
ولنا ان نتخيل شكل حوار، يعتقد طرفه الاول بان بغداد مجرد جسر لنفوذ ايراني، ويرى طرفه الاخر بان الرياض مجرد شيء تخرج من مغاراته ظواهر داعشية. وهذه وصفة لحوار مستحيل، وطبقا لها كان لقاء بغداد بالرياض غير متاح طوال اعوام.
ولذلك فان الامر يحتاج مهندسا يعيد تعريف الاشياء بحيث يصبح من الممكن وضعها بحجمها المعقول على المساحة المتاحة. ويبدأ التحوير الايجابي بالاعتراف باننا نداري جارتنا الايرانية كثيرا او قليلا. وانا شخصياً ممن يتفهمون هذا في موارد كثيرة. لكن نفس الاعتبارات التي تجعلني اتفهم مداراة بغداد لطهران، تدفعني الى ان اطالب بمداراة السعودية ايضا، فهي كذلك جار تاريخي وطرف اقليمي ودولي نافذ ومؤثر.
ان مبررات كثيرة تدعونا لعدم الاصطدام مع ايران، لكن المبررات نفسها عليها ان تدعونا لنزع التوتر مع الرياض. وعلى الخليجيين والسعوديين بشكل خاص، ان يساعدوا صانع القرار العراقي في استيعاب هذه الممكنات. فالطرف الخليجي اكثر استرخاءا، ويحق لنا ان نطالبه بصبر اوفر ومرونة اوضح، مع جاره الشمالي الغارق في الفوضى الدموية.
اما النقطة الاخرى فهي الاعتراف بحقيقة مفادها، ان عربا كثيرين آمنوا للحظة بان من المفيد استخدام "سنة متشددين" لقتال "شيعة متشددين". كما ان ايرانيين عديدين آمنوا بالعكس. والنتيجة ان هناك حربا غير سرية تجري في ارض الشام والعراق، ونخوضها نحن، شيعة وسنة، بالوكالة. وليس من قبيل الصدفة ان يشير عمار الحكيم زعيم المجلس الاعلى الى شيء من هذا القبيل، وهو يستخدم تعبير "الحرب بالوكالة" قائلا انها طريقة لن تقف عند حدود بلد بل ستحرق المنطقة بأسرها، وذلك خلال خطاب مطول لاتباعه يوم التاسع من محرم، رفض فيه تشدد الشيعة والسنة، بمنطقه الخاص.
وطالما ذكرت السيد عمار، فعلينا ان ننبه للمرة الالف، الى ان الرياض ينبغي ان تولي اهتماما اكبر لارادة اصلاح سياسي وطنية، ينخرط فيها الشيعة بقوة، ومن اولوياتها اعادة تعريف علاقاتنا الاقليمية وابرزها مع طهران. وهنالك شيعة يمتلكون الكفاءة لافهام الايرانيين بان العراق ليس ضاحية جنوب بيروت تعيش وضعا خاصا يملي وصاية عليها، من هذا الطرف او ذاك. بل ان ظهور عراق مستقر معترف بحجمه، سيساعد على حل اشكالات كثيرة سواء في الاهواز (ومشكلتها المنسية مفيدة في التحليل) او الاحساء او لبنان. اذ انها مشاكل تستند الى اختلال، وسبب الاختلال هذا عراقي في جوانب عديدة.
بل ان طهران وبعد ان لمس الجميع فداحة تطرف داعش، مدعوة لان تعيد تعريف اهمية الاعتدال السني في العراق، وضرورة الانفتاح عليه، لان اي تغييب واضعاف له بطريقة نوري المالكي، سيعني مبررا جديدا لظهور الف داعش.
اننا بلد مفكك امام مستحيلات وممكنات، بين جبابرة متماسكين حتى الان. وجزء من الحل يكمن في استيعاب ان حريق العراق قد يتحول الى تفكك للمنطقة باسرها. والجميع بدأوا ينزفون بالفعل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. Waleed H Alebrahemy

    بعد السقوط كان العراقيين قد انشغلوا بتوزيع الكعكعه العراقية.وتناسوا اشياء مهمة لفرض هوية لبلدهم العراق .وكان من السهل اختراقهم.حتى ان المخابرات الفلسطينية كان لهم باع في العراق .وزادو الطين بله عندما اتفق العراقيين مع اﻻرهاب بتسمية اﻻمريكيين محتلين.وقد ضا

  2. نهاد الحسيني

    اعتقد ان تطبيع الاعلاقات بين بغداد والرياض سيكون صعب جدا او مستحيلا لسببين بسيطين الاول نحن نفتقد للدبلوماسية التي تمكننا من ادراة حوار جدي واقامه علاقات متوازنه مع الخليجيين والامر الاخر والاهم هو عدم ارتياح ايران لكل تقارب بين العراق والخليجيين....

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram