TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > التعبيرية العراقية الحاضنة والمنفى..إيمان محمد وتحولاتها البيئية

التعبيرية العراقية الحاضنة والمنفى..إيمان محمد وتحولاتها البيئية

نشر في: 14 نوفمبر, 2014: 09:01 م

-4- في بداية التسعينات, في قاعة عرض مقابلة لمركز الفنون البغدادي, شاهدت رسوما للفنانة العراقية المغتربة إيمان محمد. بتفاصيل تشخيصية تحمل بعضا من غرابتها. شخوص, حيوانات خرافية, بملامح أثرية أسطورية. في ذلك الوقت الذي تحولت الأسطورة لدى العديد من أعما

-4-

في بداية التسعينات, في قاعة عرض مقابلة لمركز الفنون البغدادي, شاهدت رسوما للفنانة العراقية المغتربة إيمان محمد. بتفاصيل تشخيصية تحمل بعضا من غرابتها. شخوص, حيوانات خرافية, بملامح أثرية أسطورية. في ذلك الوقت الذي تحولت الأسطورة لدى العديد من أعمال التشكيليين العراقيين إلى نصوص إشاراتية, في مسعى منهم لتفكيك الأثر, وإعادة صياغته إشاريا. بالتزامن ومحاولة تجاوز وقائع حاضر مرير. إيمان فضلت الذهاب مباشرة لهذا الأثر نفسه وتسطيره أسطورة صورية جديدة. مستلهمة من الختم الاسطواني صوره الفنية الجمعية بامتياز. التي تعالج صور الحياة وسلوكيات الناس. مثلما تكشف الجانب الخفي من ملامح أحلامهم, تهاويلهم, هواجسهم, ومحاولات تشكل ملامح هيئات آلهتهم وتوابعها. فان كان لهذا الأثر الخليقي الرافديني حضور في بعض من رسوم إيمان المعروضة تلك، فهل كانت مجرد محاولة منها للتنصل من واقع و وقائع أيامها. أم هي كانت تبحث عن مرادفات وقائعه. أو, ربما كانت لها رغبة في ملاحقة الأثر بنية إنشاء اثر مواز له. فكما نعلم أن رغبة الفنان لملاحقة النتاج الأثري الفني تنطوي على نوايا متعددة.الأثر السومري بما يحتوي عليه من تنوع أسلوبي ومضموني, ثر لحد الإعجاز. غالبا ما استهوى صناع الفن العراقيين. منذ التأسيس الحداثي لحد الآن. وان تميز الآن بانصهار بعض ملامحه الإنسية في تفاصيل أعمال العديد من شباب الفنانين, كما أسلافهم الأقربون. ربما عن دراية, أو عن تقليد, أو توارد خواطر. لكني لم الحظ مسعى جديا لتفكيك خيرة ملامح هذا الأثر. في ذلك الزمن, زمن الحرب المستمرة على مستويين(الخفية والعلنية), الا قليلا. إيمان في بعض من اعمالها التعبيرية لتلك الفترة الزمنية, حاولت البحث عن مصادر لمقاربات زمنية إيقاعية. فالحرب لها إيقاعاتها الزمنية المدوية. وللختم إيقاعاته المتوازية, والموازية لإيقاعات مارشات الحرب. والإيقاع بهذه الصفة, عنصر تعبيري يضفي على سطح الرسم هيمنته. لقد صنعت إيمان من ارثها معادلات زمنية. لا تزال أثارها تقلقنا لحد الآن.لم يكن الأثر وحده حاضرا في رسوم إيمان هذه. فهي وكما اعرفها سادرة في قلق بحثها المستمر. وان حسمت جدليته في زمن اغترابها. لكنها في ذلك الزمن التسعيني, وفي بداية مشروعها التشكيلي لم تكن تتنصل عن وقائع مشهديه حاضنتها الجغرافية. وكأنثى لا ترغب إلا أن يكون محيطها إلا جزء من حاضنة بيئية, سواء أكانت واقعية أو افتراضية. نساؤها سواء المفجوعات منهن, أو المسترخيات. لم يفقدن ملامحهن بشكل كامل. ولا فقدن أسباب وجودهن الملتبس. وان تكن إيمان مولعة في تقصي الملامح التعبيرية التشخيصية لنسائها تلك, لكنها وكما اعتقد باتت بعد ذلك حذرة في الذهاب لأبعد مما ذهبت, لكونها لا تملك إرادة العنف. أو لانجرارها للعمل الحفري بمبررات نظرية, لا يحتملها الفعل الفني التعبيري التشخيصي. ولم تكن اشكاليتها وحدها. فالعديد من التشكيليين العراقيين من جيل أقدم, مثلما القلة من مجايليها. وضعوا أنفسهم في نفس الموضع. وأخذتهم النصوص الاشارية بعيدا عن عالم الصورة المعاصرة. بافتراض خصوصية محلية.
غالبا ما تكون لتحولات الفنان الأسلوبية دوافعها العميقة. وخاصة في المنجز التشكيلي العراقي. بتعاقب أجياله, واختلافات مناطق إبداعات الفنانين الزمنية. والزمن بالتأكيد له سطوة على الفعل الأدائي والتعبيري الفني. واعتقد أن ما فقده المنجز الفني العراقي الزمني, وخاصة في فترة التسعينات وما بعدها, أكثر مما كسبه. فان كنت تعيش ضمن حاضن بيئي مفتوح يوفر لك التواصل المستمر ومكتسبات العالم الحضارية. يكون بالتأكيد أفضل من الحاضن المغلق والمحبط والمعوق في الكثير من مفاصله. وواقع كهذا كنا نعوم وسط تهويماته فاقدي البوصلة, إلا من ارثنا الشخصي. وكانت إيمان والعديد من تشكيليي جيلها يعومون في نفس الفضاء. ولم يكن أمامهم إلا أن يوغلوا في التعبير عن واقع حالهم بأعمال ربما لم تكن تملك الأداة المناسبة. وكان الأسلوب التعبيري بجذره الأوربي الأول جاهز لإسعاف واقع حالهم. وما أنتجته إيمان في تلك الفترة التسعينية الأولى إلا صدى لتلك الإعمال التعبيرية. شخوص نسويه تبحث عن الدفء الإنساني تحت مظلة صيفية قائظة. شخوص تطفو وحدتها على السطح رغم تقارب أجسادها. شخوص تندب معضلة كوارثها ويتمها. لقد ختمت إيمان مرحلة توهج يأسها بأقصر فترة زمنية. وهي على أبواب زمن رحلتها الأولى, بتنصلها عن أدائها التشخيصي. 
كان معرضها في عمان(كما اعتقد في عام(1998) اختبارا جديا لخلاصها من هيمنة التشخيص لصالح العمل الاشاري.وحيث اليأس متمثلا في إيحاءاتها الميثولوجية, جداول استعادة الزمن بسحر مجتزآت نصوص و أوفاق و إشارات عتيقة. لقد تبخر الفعل التعبيري العنيف, واضمحلت بذرة تمرده, لصالح يأس يبحث عن خلاصه في رقاع الأزقة الخائبة. وارثها السحري. والتحقت برهط التشكيليين العراقيين المتقاربين في أطروحاتهم النظرية المتحولة تدوينا تشكيلا, على السطح الأبيض, أو المعفر, أو المخروق, أو المتشكل هيئات. والذي مهد لها مساحة اختلاف لحجز مكان في حاضنتها الأوروبية الجديدة, وباجتهادات اكثر سعة من سابق زمنها الفني. 
أخيرا, اعتقد أن ايمان محمد, كما ستار كاووش وفنانين تشكيليين عراقيين مغتربين آخرين. خضعت أعمالها هي الأخرى لشروط اغترابها المكاني المستجد, ربما برغبة موازية لجدة هذه الأمكنة. وربما لاختلاف الظروف البيئية وسعة مجال الحرية الممنوحة لأداء الفنان, التي هي جزء من ثقافة مجتمعية أعم واشمل. وما فقدانها لسمتها التعبيرية الأولى. إلا جزء من تحولات من حراك فني متغير. يراعي متغيرات زمنية وجغرافية جديدة, حلت محلها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

التعديل الوزاري طي النسيان.. الكتل تقيد اياد السوداني والمحاصصة تمنع التغيير

حراك نيابي لإيقاف استقطاع 1% من رواتب الموظفين والمتقاعدين

إحباط محاولة لتفجير مقام السيدة زينب في سوريا

امريكا تستعد لاخلاء نحو 153 ألف شخص في لوس أنجلوس جراء الحرائق

التعادل ينهي "ديربي" القوة الجوية والطلبة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram