TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > وعي ما بعد الحداثة في أعمال محمد مهر الدين

وعي ما بعد الحداثة في أعمال محمد مهر الدين

نشر في: 14 نوفمبر, 2014: 09:01 م

 لم يكن الفنان العراقي محمد مهر الدين في تجاربه الأخيرة التي قدمها فناناً تشكيلياً صرفاً ، ولا مؤدياً مهارياً لعوالم اللّوحة وأسراها ، انما يمتلك التعبير عن الطاقات المعرفية للأنساق المتداولة والمطروحة عنده ، فللوهلة الاولى نمسك بوحدة الموضوع وآ

 لم يكن الفنان العراقي محمد مهر الدين في تجاربه الأخيرة التي قدمها فناناً تشكيلياً صرفاً ، ولا مؤدياً مهارياً لعوالم اللّوحة وأسراها ، انما يمتلك التعبير عن الطاقات المعرفية للأنساق المتداولة والمطروحة عنده ، فللوهلة الاولى نمسك بوحدة الموضوع وآليات اشتغاله على درجة كبيرة من الإحالات المأخوذة من الواقع المهمش ، ثمّ بعدها يتحول الى ثيمات فاعلة ومتمركزة في صلب أعماله ، كما تستنهضه ايضاً طروحات فكرية متراكبة ومتداخلة معاً ، يسقطها ويحاول الإمساك بها على انها تمثل عوالمه الفنية التحريضية لكسر مركزية اللّوحة التشكيلية ذاتها ، فمع حضوره الأول في خمسينات القرن الماضي ونضوج تجربته مطلع العقد الستيني واقامة معرضه الاول لفن (الكرافيك) في العام 1965 ، مرورا بمعارض عدّة أقامها ، فقد اطلعت على معرضه الذي أقامه في العام 2004 ، لمست حينها اننا بحاجة الى قراءة عوالم الفن التشكيلي او الطروحات الثقافية الحديثة للوصول الى ما يصبو اليه هذا الفنان .. فبعد عقود متواصلة من الخوض والاجتهاد والابتكار والاطلاع ، فإنه يعرف ما يريد ، وعلى الآخر الوصول الى قصديته الفنية للمضامين المطروحة عنده.. 

ما التقطناه في اشتغالات (مهر الدين) الاخيرة ، يمكن ان نصنفه في اطار (ما بعد الحداثة) ، وتحديدا التجريد الطبيعي الذي اسمته (ليندا هيتشون) في كتابها (سياسة ما بعد الحداثية) بـ(التمثيل) ، حيث (الاشياء كلّها : الصورة .. القصة .. ومنتوج (منتج) الايديولوجيا)، هي وظائف صيغت بطريقة فنية داخل لوحاته ، فإنها انطلقت من كونها ذات سمة تجريدية مفعمة بخيوط تجريبية واضحة ، بالاضافة الى استعادة ثيمات لها مرموزاتها التاريخية ، وإن كانت سريعة ، لكنها تقع في صلب ما هو حديث ومعاصر .. 
ولعلنا حين نحتكم نقدياً على اداءات الفنان ومحاولة الوصول الى جواهر الاشياء ، تنهض امامنا التداخلات الثيمية التي تكسر بنية (الدال) الموضوعي (اولا) وللتوظيف اللّوني (ثانياً) ، بمعنى إظهار الطاقات الكامنة المسكوت عنها للمهمش ، فما معنى ان نشاهد تخطيطات تعبيرية واخرى واقعية متداخلة مع (ماركات) لسلعة معينة تناظرها اشكال مغايرة بألوان تضادية .. او نشاهد ثمّة عمق تناسقي للّوحة يخترقها (خربشات) ملموسة ، كلّ ذلك هو من صلب واقعنا الآني/المعاصر ، وحين نوزنه بمعيار ثقافي ، فإنه بلا شك من مكونات ما بعد الحداثة .. 
وحين يعتمد الفنان محمد مهر الدين في أعماله على بعض الكولاجات التي تقف بجوار الثيمات المكملة للعمل الفني لديه ، فإنه يثير الاسئلة ،فـ( استطيقيا) العمل الفني عنده لا يلامس السطح فحسب ، بل هناك قصدية متراكمة انتجتها عوامل الوعي للفنان وهو يقرأ العالم من خلال لوحاته ، او يعبر عن عن مواكبته لوعي ما بعد الحداثة في مضمار الفن التشكيلي ، ويمكن تشخيص ذلك لما شاهدناه من لوحات تهجينية مركبة ، حيث (اللون والخامة القماشية والملصقات المتنوعة بشكل منتظم والخربشات المرادفة للعمل ، وغيرها ) انطوت على تبريرات ثقافية قبل ان تكون تقنية ، بمعنى الاشتغال والتركيز على الحالات الدالة على الثيمات العبثية المنتمية الى الواقع ..
من صلب الموضوع ، قدم مهر الدين قراءة وافية لواقعنا المفخخ والمضطرب ، فكانت جلّ اعماله تلامس مفرداتنا الحياتية ، المفردات المغمسة بزمن العولمة والمعادلات المتداخلة لواقع فيه العجيب والغريب والمباح والمدنس ، طافح على سلوكياتنا المألوفة ، لتعطي نكهة مغايرة وجديدة تكرست بمنجز تشكيلي ، هو بحد ذاته يكشف عن خطاب حساس وملموس ومعاش .
اما مايخص طريقة توظيف ادوات اللّوحة / ثيماتها في أعماله المقصودة بالأشكال الهندسية التي رأيناها ، فهي ليست بالجديدة عنده ، لكن فيها مقننات عبرت عن قدرته على رسم العديد من الاشكال بالقياسات الفنية التي يريد ، فكانت الدوائر والمربعات والمثلثات ، تناظرها لعبة المتن والهامش وبعض الميزات المحكمة بوصفها تشكل طريقة من طرق خرق الاشكال الثابتة في تجربته ، وهذا ما ساهم في اعطاء مسحته التشكيلية العارفة بخيوط وضوابط المرحلة الراهنة من عدّة جوانب .. 
كما تطرح قراءة الفنان للواقع المحلي او العالمي عدة أسئلة داخل لوحاته ، لا اعرف ان كانت تنطوي على جدل متداخل ومتراكب للسوسيو سياسي المنسرح على الفكري او سقوط الفكري في خضم كسر الأنساق التراتيبيه لذالك ، فكل مايمكن امساكه ان موضوعته هي موضوعة ثقافية مطلة على معاصرة ماهو متداول في الفكر الفلسفي والاجتماعي والسياسي وكل ما تحلت به توصلات ما بعد الحداثة .
ومع التمايز الحاصل في أعمال الفنان من جانب الأداء الفني والمهاري في كل لّوحة ، فقد كانت لدينا استقراءات تفردية اخذت على عاتقها طريقة استخدام الخطوط المرسومة في أساليب متناظرة من جهة ادائية ومقتربة من جهة فنية ، حيث نمسك ببعض اللّوحات وهي تقدم نفسها بوصفها واحدة من اشتغالات الفن التعبيري القريب الى فن (الكاركتير) ، ولعل الميزة هذه أعطت انعطافة واضحة للامساك بوحدة الموضوع الذي قصدناه ، ومن جهة اخرى كانت هناك لوحات تتداخل في مضمونها تركيبات العجائن مع الملصقات (البورتريه) المبعثرة ، لتشكل حقيقة تقديم ثيمات متناغمة ومتناسقة ، وهي بلا شك ناتجة عن استخدامات افترضتها لحظات الوعي الثقافي لدى الفنان .
محمد مهر الدين ، بكل ما يحمله من تجربة واسعة وكبيرة ، تجربة أخذت على عاتقها خبرات متراكمة في ميدان الفن التشكيلي ، الاّ انه استطاع ان يواكب مراحل التطور الثقافي وانعكاساته على الفن التشكيلي ويطبقه بحرفنة الرجل المعاصر لكل الأحداث ، واستطاع ان يؤكد ان اللّوحة هي ميدان للتعبير عن كل الطروحات الفنية ، وإن لم تكن تشكل عنصراً مهما من عناصر التعبير الفكري ، وهذا ما أمسكناه في أعماله المعبرة عن حالات النضوج الثقافي والفني في اداءات ما بعد الحداثة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

التعديل الوزاري طي النسيان.. الكتل تقيد اياد السوداني والمحاصصة تمنع التغيير

حراك نيابي لإيقاف استقطاع 1% من رواتب الموظفين والمتقاعدين

إحباط محاولة لتفجير مقام السيدة زينب في سوريا

امريكا تستعد لاخلاء نحو 153 ألف شخص في لوس أنجلوس جراء الحرائق

التعادل ينهي "ديربي" القوة الجوية والطلبة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram