هكذا كانت مفاجأة متحف بويمانز في مدينة روتردام الهولندية وهو يعلن عن افتتاح المعرض الذي خصصه للفنان النمساوي أوسكار كوكوشكا ( 1886- 1980) ، هذا الفنان الذي تنوعت أعماله بين رسوم الحيوانات ومناظر المدينة والمناظر الطبيعة ، لكنه تخصص بشكل عام في رسم البورتريت وبالأخص البورتريهات المزدوجة التي ضمت أكثر من شخص في لوحة واحدة ، حيث كانت الشخصيات التي تجلس ليرسمها من مفكري وفناني ومشاهير برلين وفينا عادة ، ونلاحظ هذه المسألة في بداية المعرض حيث تظهر اللوحة التي رسم فيها البورتريت المشترك الذي جمع الطبّاع ومصفف الحروف هانز ماردرستيخ وقبالته يجلس مؤرخ الفن كارل هيسه الذي يظهر مضطرباً نوعاً ما وغير مستقر. وهذه اللوحة هي خير مثال لخطوط فرشاة كوكوشكا وعجائن ألوانه المتحركة والكثيفة والمتداخلة حيث يظهر بين عاصفة الألوان هذه وجه هيسه الأصفر مع لطخة حمراء واسعة مع خلفية زرقاء بلمسات عريضة وخشنة . وفي جانب آخر من المعرض تظهر لوحتان أجواؤهما متقاربه وفيهما رجلان كانا صديقي أوسكار في الفترة التي قضاها في مدينة درسدن ، وقد قرر أن يرسمهما في البداية كبورتريت مزدوج في لوحة واحدة لكنهما بعد أن أخبراه بانهما مثليين ولا يريدان ان تكشف علاقتهما للآخرين قرر عندها أن يرسمهما على قماشتين منفصلتين . عموماً تتوزع البورتريهات التي عرضت في المعرض على فترة زمنية تقارب السبعين عاماً أقدمها كان البورتريت الذي رسمه لنفسه على بطاقة بريدية وأرسله الى احد أصدقائه .
في تلك الفترة من بداياته الأولى ظهر كوكوشكا الى الوسط الفني في مدينة فينا متمرداً حليق الرأس ورافضاً لفنون ذلك الوقت ، وقد لاحظ الآخرون مباشرة موهبته وقوة تأثيره من خلال مشاركته في المعرض الذي أقيم سنة 1908 للفنانين الشباب . وقد بيعت بعض تخطيطاته وتحدث النقاد والفنانون عن أعماله بمن فيهم غوستاف كليمت الذي كان يدرسه الرسم ، كليمت العبقري وصف تلميذه وقتها بأنه أفضل موهبة في الجيل الجديد ، وهذا يعني الكثير لفنان شاب ينتظر أية اشارة أو تلميح إيجابي من صاحب لوحة القبلة . بعد هذا المعرض بفترة قصيرة عرفه الناس من خلال الافيشات اتي رسمها لبعض المسرحيات مثل مسرحية القاتل التي اصبح أفيشها فيما بعد احدى أيقونات التعبيرية ، وقد لاحظ النقاد في هذا العمل تأثره الواضح بلوحة القبلة لأستاذه غوستاف كليمت ، رغم أن لوحة كليمت تظهر فيها نعومة الحب والنشوة والرومانسية بينما يظهر الموت واضحاً من خلال يدي الرجل الذي يطبقهما على عنق المرأة . تأثر كوكوشكا بأعمال النحات جورج مينه كذلك بأعمال رسامين مثل أدوارد مونش وفان غوخ ، وقد ربطته علاقة بجماعة الفارس الأزرق وشاركهم في ثاني معارضهم سنة 1912 في مدينة ميونخ .
في كل أعماله يتضح اهتمام كوكوشكا بأعماق الأنسان وجوانياته ، وهو يظهر لنا ذلك بتعبير عنيف ومباشر من خلال كثافة الألوان وطبقاتها المتكدسة فوق بعضها ، وكذلك خطوط فرشاته التي تنسحب مثل السياط على قماشات الرسم لتحيل وتعطي لهذه الشخصيات حياة مفعمة بالدراما والتأمل المليء بتساؤلات النفس البشرية وما تكتنفه من غموض وأسرار . في كل الأحوال يعتبر كوكوشكا في تاريخ الفن واحدا من أعظم ثلاثة فنانين أنجبتهم النمسا أضافة الى غوستاف كليمت وأيغون شيله اللذين ماتا سنة 1918 بسبب الانفلونزا الإسبانية التي انتشرت في أوروبا آنذاك ، بينما عاش أوسكار حتى سنة 1980 بعد أن غادر النمسا في شبابه متنقلاً بين الدول ، وقد طبقت شهرته الآفاق وخاصة في العشرين السنة الأخيرة من حياته ليعود بعدها الى بلده النمسا لتستمر الاحتفالات كثيراً به وبما يليق بتاريخه العظيم وأعماله المهمة.
أوسكار كوكوشكا، ثالث النمساويين الكبار
[post-views]
نشر في: 14 نوفمبر, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...