أدرك جيداً مدى خطورة الكتابة عن فنان بوزن الفنان العراقي فلاح السعيدي. لكني أرغب الخوض في مغامرة كهذه. أريد ان اترجم الانطباعات الجمالية التي تلاحقني وانا اشاهد اعمال هذا الفنان. اترجمها الى حروف عساها تستطيع نقل ما تتحسّسه عيناي. لم ا
أدرك جيداً مدى خطورة الكتابة عن فنان بوزن الفنان العراقي فلاح السعيدي. لكني أرغب الخوض في مغامرة كهذه. أريد ان اترجم الانطباعات الجمالية التي تلاحقني وانا اشاهد اعمال هذا الفنان. اترجمها الى حروف عساها تستطيع نقل ما تتحسّسه عيناي.
لم اكن اعرف السعيدي سابقاً. تعرّفت عليه قبل عام تقريباً حين وصل مهاجراً الى ولاية اريزونا ، حاملاً معه تراث مدينته بابل وأريج جنائنها المعلّقة. فنان هادئ يحترف الصمت ولا يحب الثرثرة ، يتكلم فقط ألواناً وحدها أذن الإبداع تسمعها.
بين يديّ الآن مجموعة عجية من لوحاته ، رَسَمَتها فرشاة شاعر لا رسّام تقليدي ، فهو طبيب يعالج اعراض الجمال بالخطوط والألوان. فنان قد يصنّف نفسه فناناً تعبيرياً لكني أرى كل مدارس الفنون في لوحاته. أرى تعبيرية الالمان تختلط مع وردية بيكاسو مضافاً لها جرعة من ضربات كوخ الانطباعية في انكسارات ميكانيكية تشبه تلك التي ابتدعتها المخيّلة الفذّة لمارسيل دوشامب. أرى كل هذه العناصر في أنتيكة لونيّة يصعب تحديد ستايلها الفني. إنها مدرسة فلاح السعيدي ، مدرسة عراقية شاملة تحتفي بها ولاية اريزونا اليوم. فمنذ اليوم الذي وصل فيه السعيدي ارض هذه الولاية وهو يلاقي ترحاباً واسعاً من معارض الفنون هنا. لقد ابدى فنانون ومثقفون ومهتمون أمريكيون اهتماماً ملحوظاً بأعماله وبدى واضحاً حجم تأثير اعماله الفنية على ذائقتهم.
رغم إنني لست ناقداً فنياً لكني أقرأ اللغة التي تكتبها قماشة لوحاته. أتحسّس الجمال الذي تصنعه مفردات الابداع على سطوح لوحاته. يهرب مني الوصف وتهاجمني الحيرة كلما احاول فك طلاسم الابداع في أعماله. كيف للسعيدي كل هذه القدرة على توظيف تلك المساحات اللونيّة وصفّها مع بعضها لتبدو وكأنها اشكال آدميّة تتداخل مع أجساد الحيوانات أحياناً. ليس هذا فحسب ، بل إستعار حيويّة المشهد الدرامي من فنّاني عصر البوروك ببراعة ، خصوصاً في تلك اللوحات التي تظهر فيها نساء يرقصن في وضعيات رشيقة ومميّزة. نعم ، لم تكن ألوانه برّاقة بذات الحدّة التي أصرّ عليها فنانّو البوروك وقتئذ ، لكنه نافسهم في تقديم الاثارة المسرحية وهو يلتقط الحركة الآنية لتلك الجميلات. مشهد الاستمرارية في إداء الرقصة وكأنه يقتطعها من فعالية فنيّة طويلة. إنها لعمري خصلة البوروك التي ميّزت أعمالهم عن غيرها ، قَطَعَها فلاح السعيدي من جسد التاريخ الاوربي ليزرعها على هامات بعض لوحاته في حاضرنا اليوم.
يستعد السعيدي هذه الايام لمعرضه الشخصي القادم ، المعرض الذي سيُقام في احدى اغنى مدن العالم ، الا وهي سكوسديل الواقعة في شرق مدينة فينيكس عاصمة ولاية اريزونا الامريكية. مدينة الفن والجمال ومعارض الفنون. سيُقام المعرض يوم الثامن عشر من شهر كانون الاول هذا العام. إطلالة عراقية خالصة على مشارف العالمية يستحقها شاعر الالوان المثابر فلاح السعيدي.
فخور بك يا فلاح .. فخور بألوانك وخطوطك وفرشاتك .. فخور بمنسوب الجمال الذي يفيض علينا من عمق لوحاتك.