ثمة أسماء فنية تكرست كرموز وإيقونات شهيرة في السينما والموسيقى والمسرح والأدب، ومنها ما احتفل به العالم والنقاد وهواة الفن التشكيلي وجامعو اللوحات الفنية، أيضاً، خلال القرن العشرين، قرن الحروب والهجرات والعواصف الاقتصادية والسياسية، لكنه قرن ال
ثمة أسماء فنية تكرست كرموز وإيقونات شهيرة في السينما والموسيقى والمسرح والأدب، ومنها ما احتفل به العالم والنقاد وهواة الفن التشكيلي وجامعو اللوحات الفنية، أيضاً، خلال القرن العشرين، قرن الحروب والهجرات والعواصف الاقتصادية والسياسية، لكنه قرن العواصف الإبداعية أيضاً، إذ شهد انطلاق أبرز الحركات الفنية في الرسم والنحت، وتصدرت واجهته الإبداعية أسماء لعبقريات خالدة يصعب تعدادها وحصرها.
سيغمار بولك (1941 – 2010) ، الفنان التشكيلي والمصور الفوتوغرافي الألماني واحد من إيقونات الفن التشكيلي في القرن المنصرم، الذي جرب مجموعة واسعة من الأساليب والموضوعات والمواد المستعملة في نتاجه التشكيلي، ورغم أنه ركز، منذ سبعينات القرن الماضي، على التصوير الفوتوغرافي لكنه عاود الرسم شغفه الأساس، بداية الثمانينات، عبر إنتاج لوحات تجريدية جاءت ثمرة المصادفة ومن دون تخطيط مسبق، نتيجة ردود أفعال كيماوية لتفاعل الرسم والمواد الأخرى.
أنجز بولك، خلال السنوات العشرين الأخيرة من حياته، مجموعة من اللوحات الفنية التي ركز فيها على الحادثة التاريخية وما يتولد عنها في تصورات الفنان شخصياً عن تلك الحادثة.
ومثل مئات الفنانين الآخرين من زملائه ، كابد بولك مآسي الحرب العالمية الثانية بعد صعود النازية الألمانية، ومن ثم تقسيم ألمانيا ونشوء ألمانيا الشرقية وتسليمها للحزب الاشتراكي الألماني (الشيوعي) ما أجبره على الهجرة هرباً، مع عائلته، إلى ثورينغيا عام 1945، ليسافر بعدها، لأول مرة، إلى برلين الغربية (ألمانيا الغربية).
بدأ بولك بُعيد وصوله إلى برلين الغربية بزيارة المعارض الفنية ومتاحف المدينة ثم عمل، متدرباً، في مصنع للزجاج الملون في مدينة دوسلدورف للفترة بين عامي 1959 و1960، وكان هذا قبل دخوله أكاديمية الفن عندما بلغ العشرين من العمر.
درس بولك الفن بين عامي 1961 – 1967 في أكاديمية دوسلدورف للفنون على يد أستاذيه كارل أوتو غوتز وغيرهارد هويم لكنه تأثر بشكل لافت بأستاذه جوزيف بيويز.
يتمثل الإنجاز الفني لبولك خلال التغيرات الكبيرة، اجتماعياً وثقافياً وفنياً، في ألمانيا وخارجها.
عندما أصبحت دوسلدورف من المدن التجارية ومركزاً مهماً للنشاطات الفنية، خلال فترة الستينات من القرن الماضي، شكلت هذه المدينة الناهضة مناخاً ملهماً لهذا الفنان وأصبحت بيئة فنية تستجيب لتطلعاته الفكرية والإبداعية الصاعدة، وراعية لموهبته الناضجة، فيما بعد، ليصبح أحد وجوهها التشكيلية والثقافية، ثم ليقيم، لاحقاً، في مدينة غاسبلهوف، قبل أن يكون أحد الوجوه الأكاديمية أيضاً منذ العام 1971 حتى 1991 بروفيسوراً في أكاديمية الفنون الجميلة في هامبورغ، ومن تلامذته جورج هيرولد، مع آخرين.
استقر بولك عام 1978 في مدينة كولن وعمل فيها حتى رحيله في حزيران/ يونيو 2010 إثر إصابته بمرض السرطان.
كان بولك أسس عام 1963 حركة فنية باسم (الواقعية الرأسماية) مع غيرهارد ريختر وكونراد فيتشر، وهي حركة فنية (ضد الأسلوب في الفن) الذي يمثل الاختزال التصويري والابتعاد عن أية دعاية في الفن، وبالضد من (الواقعية الاشتراكية) المذهب الفني الرسمي للاتحاد السوفيتي السابق، وهو أحد الأسباب الرئيسية التي دفعته للهرب، مع عائلته، من ألمانيا الشرقية لاجئاً إلى غربها.
وصف جورغن تيستش وإيخارد هولمان لوحة بولك بأنها "وليدة توقعات المعدل التصويري الناجم عن الملاحظة" أي ان الفنان يلتقط موضوعه من محصلة مراقبته للأشياء والموجودات، ومما هو أكثر أهمية في الفن الحديث وجمعهما سوية: الرمزي (الاستعاري) والعنصر الكيماوي للون المجرد والمعرف هندسيا، بالإضافة إلى الاشتغال خارج أي صيغة مسبقة". *
لكن كل هذا لا يبتعد كثيراً عن المدرسة السوريالية التي شقها أسلاف بولك اتجاهاً فنياً في عشرينات القرن الماضي، كما يتبدى ذلك لمشاهدي أغلب أعماله، وهو مما يحدث تلقائياً إذ ألهم السورياليون أقرانهم ومعاصريهم وأثروا بهم بشكل واضح مثلما غيروا الثقافة الفنية لمجايليهم أو فناني الأجيال التالية حتى اليوم، غير أن بولك لم يضع نفسه داخل أية علبة نظرية أو خندق آيديولوجي وترك لفرشاته الحركة بشكل طليق تضرب قماشة اللوحة من دون صيغة مقصودة أو أسلوب معد سلفاً، ليتعامل مع مشاهديه كأصدقاء يشاركونه الرؤية الفنية عند النظر إلى عمله أو يدفعهم إلى تعلم كيفية النظر إلى مكونات اللوحة وتفاعلاتها اللونية والرمزية.
آخر معرض أقيم لبولك في فرنسا منذ 12 عاماً رغم شهرته الواسعة في جميع الدول الأوروبية واستمر المعرض حتى 2 شباط/ فبراير 2014. ويعد الفنان سيغمار بولك واحدا من فنانى 1963 الذين أسسوا الواقعية الرأسمالية، كما أسلفنا، وهى النسخة الالمانية لفن البوب – آرت وضم المعرض نحو 70 لوحة فنية من التي تم الحصول عليها من الجماعات الخاصة في ألمانيا وإسبانيا وفرنسا والذي صور فيها الرخاء الاقتصادي الألماني وسيطرة "المارك" الألماني على الأسواق والمجتمعات الاستهلاكية وهذه النوعية من الموضوعات الفنية لا يفضلها الفرنسيون في الأعمال الفنية، حيث انها تذكرهم بالاحتلال النازي والتي عبر عنها الفنان من خلال لوحاته التجريدية الهندسية والألوان مثل الوردي والبنفسجي والأخضر الفاتح، لأن مثل هذه الثيمات يكون لها تأثير سيئ على المشاهد الفرنسي خاصة والأوروبي عامة.**
(*) ICONS ART – THE 20th
CENURY
كتاب حرره جورغن تيستش وإيخارد هولمان.
(**) أ. ش. أ.