اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > اسماعيل فتاح والمخلمة الوهمية

اسماعيل فتاح والمخلمة الوهمية

نشر في: 21 نوفمبر, 2014: 09:01 م

أحاول في مناسبات عديدة وبقدر استطاعتي أن اشير الى الفنانين العراقيين الشباب، لأنهم أولاً يملكون طاقات ومواهب متفردة وتقنيات تؤهلهم ليكونوا في مقدمة المشهد التشكيلي العراقي ، وثانياً لأنهم بالفعل مستقبل البلد الفني ووجهه الثقافي الذي علينا أن نتباهى ونفخر به، فالفن بشكله الحقيقي لا يمكن ان ينهض أو يفتح طرقاً جديدة بدون أعمال الشباب الذين في العشرينات من أعمارهم على أن يمتلك هؤلاء ما يؤهلهم لهذا الدور ، وهذه الخطوة المهمة والحاسمة. العلاقات الاجتماعية التي يمكن أن تربط بين الأجيال المختلفة يمكنها أيضاً أن تؤثر على نوعية وحضور الفن بشكل عام، وقد لا يعرف الكثيرون العلاقات التي كانت تربط التشكيليين ايام الثمانينات والتسعينات وخاصة تلك التي ربطت بين الفنانين الأساتذة والشباب وكيف كانت الصداقات تتكون لتخلق جواً فنياً بعيداً عن الادعاءات وتضع كل واحد في مكانه الذي يستحقه. شخصياً ربطتني وقتها علاقات مدهشة مع الفنانين الأكبر سناً أو الاساتذة وبالتأكيد يأتي في المقدمة بالنسبة لي أستاذي وليد شيت الذي كان بالنسبة لي ومايزال أهم شخصية فنية التقيتها في حياتي وسأخصص له بالتأكيد مساحة تليق به في المرة القادمة . وكذلك هناك اسماعيل فتاح الترك الذي سأتحدث عن بعض الذكريات معه، هو الذي أثر بأعماله وشخصيته على عشرات الفنانين.
في إحدى أمسيات سنة 1991 بينما كنت جالساً مع بعض الأصدقاء الفنانين في نادي جمعية الفنانين التشكيليين، دخل الفنان الراحل اسماعيل فتاح الترك الى النادي وهو يضع يديه في جيبي بنطاله مبتسماً كالعادة حيث الجميع ينظر اليه بمحبة واحترام كبيرين. هو عموماً كان يأتي في أوقات متباعدة الى الجمعية، وفي نفس الوقت كان معروفاً بصداقاته وقربه من الفنانين الشباب، حيث كان يقول دائماً "أنتم مستقبل الفن في البلد". في ذلك المساء اختار أن يجلس على الطاولة التي أجلس عليها، وبعد مرور بعض الوقت طلب مني قلما وأوراقا، فتحت حقيبتي وأعطيته ما اراد، فبدأ يخطط لي بورتريتاً صغيراً وقد تجمع خلفه بعض الاصدقاء الذين تركوا طاولاتهم وبدأوا يراقبونه بفضول. انتهى من الرسم الأول وطلب مني أن أثبت مرة أخرى ورسم بورتريتاً ثانياً، كان مزاجه رائقاً وجميلاً وحين أن انتهى من الرسم أعطاني التخطيطين بعد أن وقع عليهما. بعد مضي ساعة أو أكثر طلب المغادرة فسألته أن كان يستطيع توصيلي في طريقه الى باب المعظم فوافق كما كان يفعل هذا ويوصل بعض الأصدقاء في كل مرة يأتي الى الجمعية. أثناء مرور السيارة قرب منطقة العلاوي طرأت فكرة أن نأكل شيئاً من العربات الواقفة المليئة بالأطعمة الليلية، كان متردداً بعض الشيء لكنه استجاب للفكرة .
مدّ إلينا الشاب الواقف خلف العربة أطباق المخلمة الوهمية (كنّا نسميها هكذا لعدم وجود اللحم فيها ) ووضع لنا الخبز على ورق مقتطع من صفحات مجلة. وبينما كنت أَهمُّ بالأكل سحبت الورقة من تحت الخبز وقربتها منه قائلاً "أنظر أستاذ اسماعيل ، هذه تخطيطاتي المنشورة في مجلة ألف باء نأكل عليها الخبز" ابتسم ثم ضحك بصوت مسموع، بينما صاحب العربة ينظر إلينا بريبة وهو يضغط بعكسِهِ على خاصرة الشاب الآخر الذي يساعده في غسل الأطباق ويسألني "معقول، هذا رسمك أنت في المجلة ؟" فأجبته "نعم فأنا أعمل رساماً في ألف باء" ثم أردفت قائلاً "هذه مسألة بسيطة، لكن هل تعرف هذا الرجل الذي يأكل المخلمة بجانبي؟ إنه أسماعيل فتاح الترك الذي عمل نصب الشهيد، هذا النصب الأزرق الكبير"، فما كان منه إلا ينظر الى مساعده ويقول له بصوت خافت "الجماعة شاربيلهم كل واحد بطلين بيره وكَامو يدعبلون علينه !!".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram