4
الساعة 10صباحا
أدون زمني بمشاهد متتابعة بالأسود والأحمر ولون الرماد، أتفحص حياتنا جميعا، حياتي المحاصرة بالرعب، الوعي يتضاعف في الخوف ويعذبني بما أتوقعه وتضج الذاكرة بالألم فتنهال على بصيرتي صور محاكم التفتيش والحروب الدينية والايدلوجية والكاميكاز وهتلر و1963، حين اجتاز قرن الدم منتصفه استولدت الصراعات أنماطاً من انقلابات عسكرية وأحزاب موسولينية أسست لما آل الينا من خراب البلاد ،هل يجدي وعي الكارثة في تجنبها؟
يصل البستاني حاملا شتلات زهور الزينيا والمرجان وأبصال الشقائق يزرع وعودِا للربيع والصيف القادمين ويبشرني بتفتح الياسمين الأصفر ،الحياة تمضي قدما والربيع يؤكدها بوعوده.
-أهاتِفُ سائق سيارة أعرفه في الجوار- متجنبة سيارات الأجرة التي نجهل هوية أصحابها ليوصلني إلى بائع الزجاج ،أسلم الرجل مقاسات زجاج النوافذ ليهيئه ويأتي لتركيبه في الغد ، أصبحت زبونة مستديمة لديه فقد تحطم زجاج نوافذي الواسعة ثلاث مرات خلال شهر الانفجارات المروعة في شارعنا وأنفقت على استبداله مبالغ طائلة استقطعتها من قوت أيامي الصعبة.
يواجهني ، وأنا أعود إلى السيارة ، رجلٌ بكوفية مسدلة ولحية كثة وثوب قصير ويزعق في وجهي رافعا ذراعه متوعدا، وكأنه يهم بصفعي:
- تستّري يا مَرَة وغطي عورة شعرك وإلا سترنا عارك بالموت ،النساء لا يسترهن سوى القبر..احتشمي وغطي راسك ياحرمة.
تخرسني المباغتة فأقف برهة بلا حراك، أتماسك وأسترد أنفاسي :
- لماذا لا تقبل بوجودي كما أنا ، بينما نقبل بوجود أمثالك كما أنتم؟؟
يقول: لا مكان لأمثالكم في الحياة، حرمة بلا حياء، ماعندك وليّ أمر ؟ حرمت عليكم الحياة.
- أنا ولية أمري في بلدي أيها الغريب..
يهمس السائق : ست أسرعي، أسرعي أرجوك ولنذهب من هنا، هؤلاء وحوش ، لا تردي عليه، كان عليك أن تتركيه.
وإذن علينا أن نصمت وندع كل شيء يتخذ مساراته المرسومة ،علي أن أصمت وأنسحب ليتوغل فينا خراب هؤلاء الوحوش.
نتوقف لدى باعة بنزين السوق السوداء، أشتري وقودا للمولدة ثم أقف نصف ساعة في الصف تحت المطر لأحصل على بضعة لترات من النفط للمدفأة. أتبضع خبزا وخضارا وأدوية مهدئة وأعود بحصيلة من غضب وروح تعرضت للتهديد والإهانة وجسد مرتجف هلعا وبضع لترات من الوقود أنفقت عليها ما يسد رمقي طوال أسبوع.
الساعة 11,30
أغير ملابسي المبلولة الملوثة بالنفط والبنزين ورجفة الهلع. يتصل بي "هيثم" سائق المجلة ويخبرني أن الطريق مغلق بين حي “الحارثية” ،حيث المجلة ، وحي "العامرية" وكذلك طريق المطارالدولي الذي يوازي”العامرية“، وعليه أن يحاول الوصول إليّ عن طريقٍ بديل يستغرق وقتا ، أتصلُ بالسائق الآخر "إياد" فيخبرني أنه على موعد مع رجل يشتغل بالوشم ويوضح لي: "شباب منطقتنا في الوشاش عمدوا إلى وشم أسمائهم وأرقام هواتف ذويهم على أجسادهم ليتعرفوا إلى جثثهم في حالة قتلهم فلا يدفنوا في مقابر الغرباء – سأتأخر ساعة لأصلك "
يصل "هيثم" ويخبرني مرعوبا أنه تعرض لإطلاق نار مساء أمس في طريقه إلى المطبعة مع "زينة" موظفة العلاقات في المجلة ،عندما أُوقفا لدى مرور القوات الأميركية في ساحة "الحرية" ،أمره شرطي المرور بالانطلاق لكن جنديا عراقيا أطلق عليه نيران رشاشته واخترقت الرصاصة ياقة قميصه خلف عنقه ونجا بأعجوبة فيما أغمي على "زينة" وأوصلها إلى المستشفى فرفضوا إسعافها لأن سيارته هوجمت من قبل الجنود وهذا يعني أنه مواطن مشتبه به، أضحت هوية العراقي وصمةً و اشتباها ًمعلناً وسنتحمل تبعات الشبهة في جميع بلاد العالم.
يتبع
هويتنا المشبوهة و"تستّري يا حُرمة" مقاطع من كتاب "الحرب والمنفى"
[post-views]
نشر في: 22 نوفمبر, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...