أهم القواعد التي تقوم عليها الدول الديمقراطية -لا دولة القانون- هي قاعدة المساءلة للحاكم، إذا تدهورت حالة الخدمات، أتمنى أن تنتبه معي، اقصد الخدمات وليس الأمن، فان الحكومة تقدم اعتذارا مكتوبا ومصورا ثم يذهب اعضاؤها الى بيوتهم، اما اذا اختفت طفلة في ظروف غامضة فان على وزير الداخلية، وأتمنى ان لا تعتقد إنني اقصد الحاج عدنان الأسدي، فان الوزير يتلقى سيلا جارفا من الاتهامات بالتقصير تقضي على مستقبله السياسي.. اما في دولة البيانات الترفيهية، فان القتل على الهوية والتهجير لا تعني شيئا، فهي مجرد خبر عادي سيصر البعض على منعه من الظهور في وسائل الإعلام.. في الأنظمة الديمقراطية تقوم البلاد ولا تقعد لان رئيس وزراء البرتغال تهرب من دفع الضريبة ففي خبر تناقلته معظم صحف العالم اعلن النائب العام البرتغالي أن الشرطة اعتقلت رئيس الوزراء السابق جوزيه سوكراتيس من أجل التحقيق معه في شبهة فساد وتهرب ضريبي.
أتمنى عليك ايضا ان لا تعتبر رئيس وزراء البرتغال السابق ساذجا لأنه لم يخرج عليهم ويصفهم بانهم مجموعة"فقاعات" لان الرجل ببساطه اصدر بيانا قال فيه :"أنه يحترم القانون وسيخضع لكل الإجراءات"، وأتمنى عليك ان لا تقارن بين هذا الرجل المتهرب من الضرائب وفخامة رئيس وزرائنا السابق ونائب رئيس الجمهوري الحالي الذي يتهرب من سؤال كيف احتلت داعش اكثر من ثلث العراق؟
في بلدان السياسي الأوحد، المكانة الأولى فقط لصاحب الخطب الرنانة، الذي تتحرك حياة الشعوب وهوياتها ومستقبلها، بإشارة من إصبعه، وفي دولة الرجل الواحد والحزب الواحد، لا يهم ان تصبح مثل ريتشارد الثالث ترمي السهم أينما تشاء، فحيث يصيب السهم هناك الأعداء، الكل أعداء، اشهر سيفك واضرب كما تشاء، لا تصغ لمن يقول لك احذر ان أمامك أوهاما، الكل أعداء مادام البعض يريد من الجميع ان"ينبطحوا"تحت صولجان الظلم والطغيان.
يقدم لنا شكسبير في"تراجيدياته"، صورة السياسي المصاب بمرض جنون الكرسي. وكيف تختصر البلاد والبشر بكلمة من أربعة حروف"كرسي"والباقي مجرد كومبارس مهمتهم الهتاف لمن يجلس على عرش السلطة.. أو في أسوأ الحالات ينطبق عليهم قول مكبث:"كلكم فقاعات.. وهذا سيفي كفيل باختفائكم".
لماذا أصبح الخوف واقعا يريدون منا ان نعيش في ظله؟ مطلوب منا ان نخاف.. مواطن خائف بامتياز تتلفت حولك، تتوجس من جارك وصديقك.. وتخشى مصافحة الآخرين لأنهم لا ينتمون إلى طائفتك.. ألم يقل ريتشارد الثالث: احذر ان تمد يديك لغريب لئلا تتلوث، لذلك عليك أن تتخندق في مواجهة الجميع، عليك أن تخاف من العلماني والشيوعي لأنه كافر، ومن الشيعي لأنه ميليشيا، ومن السُني لأنه قاعدة، وعندما يكتمل خوفك وتوجسك، سيدفعك مكبث إلى الخوف من أقرب الناس إليك. ويصبح مصير البلاد معلقا برضا رجل واحد وكأننا لا نريد أن نغادر عصر"القائد الأوحد"، عصر الهبات والمنح والعطايا وأيضا العفو الخاص!
كان المهرج في"لير"يضحك كلما سمع ملكه العجوز يتحدث:"هذا الرجل مصرّ على أن يقنع الناس بأن تصدق ما يقوله.. بينما هو في قرارة نفسه يضحك من جهل الآخرين وحماستهم"، هكذا يقدم لنا شكسبير صورة السياسي الذي لا يسمع غير صوته.
تتوالد وتتكاثر الأحقاد والضغائن في المناخات الملوّثة بوباء الطائفية والاستبداد. راجعوا معي خطب المالكي في جولاته الاخيرة وسترون، كيف تُخدع الناس بخطابات وشعارات أكثر فتكا بالبلاد من الطاعون.
العودة إلى شكسبير
[post-views]
نشر في: 23 نوفمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 2
محمد سعيد العضب
عندما يعيش البلد في جهل متعمد تحت رايات احزاب دينينه , هدفها الاول تضييع الفكر وتغييب العقل وحجره في دهاليس الماضي العتيق , سوف يضيع امل الحياة الباهره , عليه ان اريد استنشاق هواء نقي في الحريه وتفعيل الانسان للعمل الجاد المخلص من دون ر
داخل السومري
شكرا لك يا استاذ علي على اتحافك ايانا بمقال آخر يضرب في صميم تخلفنا وتشتتنا وضياعنا عن طريق المواطنه الحقيقي.ذكرني مقالك هذا بما قراته عن وضع العراقيين ايام الاحتلال الانكليزي،اذ اراد الانكليز معرفة راي العراقيين فيمن يرغبون ان يكون حاكما عليهم.فكان هناك