لم أشهد إلا في النادر استخداماً لمشاركة الجمهور في الأداء المسرحي أكثر إثارة من انتاج مسرح سكوبون برلين بإخراج توماس أوسترميير لمسرحية الكاتب النرويجي هنريك إبسن، ( 1826 ــ 1906 )، "عدو الشعب "، يقول كاتب العرض مايكل بيلينغتون لهذه المسرحية، التي نشر
لم أشهد إلا في النادر استخداماً لمشاركة الجمهور في الأداء المسرحي أكثر إثارة من انتاج مسرح سكوبون برلين بإخراج توماس أوسترميير لمسرحية الكاتب النرويجي هنريك إبسن، ( 1826 ــ 1906 )، "عدو الشعب "، يقول كاتب العرض مايكل بيلينغتون لهذه المسرحية، التي نشرها إبسن عام 1882. ( و تدور أحداث المسرحية في بلدة صغيرة حول إشكالية رئيسة، هي الاستغلال وتضليل الرأي العام من أجل الحصول على ما يسمى بالحمامات السياحية، والعلاجية في هذه البلدة، ويتجلَّى في هذه الفكرة الاستغلالية إيثار المنفعة الشخصية على المنفعة العامة، والتحكم في مصادر الأموال، وزيادة نفوذ رجال الأحزاب، مظاهر البذخ والترف التي تُضِرُ باقتصاديات البلاد؛ مما يهدد الطبقات الدنيا في هذه البلدة ). و حين يطلق الدكتور المثاليّ النزعة توماس ستوكمان، الذي يتعرض للمضايقة لقوله الحقيقة بشأن حمامات المنتجع الملوثة، شكواه المريرة من المجتمع الحديث، ينتهي بالقول " إن أسوأ عدو للحقيقة هي الأغلبية الليبرالية اللعينة ". و عند هذه النقطة يتقدم خصومه خطوةً لإجراء اقتراع بالأيدي وسط الحضور و يدعوننا للانضمام إلى النقاش.
و النتيجة أشبه قليلاً بنسخة فظة على نحوٍ غير عادي من برنامج البي بي سي " وقت للأسئلة ".
فحتى إذا كان جمهور المجمَّع السكني المشاهد يمثّل بالكاد مقطعاً عرضياً نموذجياً للرأي العام، فإن التكتيك يطلق غضباً أصيلاً على السياسة الرضائية، مع أناس متنوعين يصيحون " أوقفوا العلاوات " و " ادفعوا ضرائب أكثر ". لكن المحفّز أن ذلك يأتي بمسرحية أبسن إلى عالمنا بطريقة لم تنجح بها حتى مسرحية ريتشارد جونز " العدو العام Public Enemy ".
و في الحقيقة، فإن أوسترميير يذهب بعيداً أكثر من جونز، مُظهراً ستوكمان كجزءٍ من فرقة روك خاصة بل و مُدخلاً " تغيرات " ديفيد بووِي في الأداء. كما يسلط أوسترميير الضوء على التوترات المنزلية في أسرة ستوكمان مع زوجته الشابة، المتأذية من كونها مستثناة من بحوثه في سُمِّية toxicity الحمامات، دافعاً بها بشكل متهور على صديق زوجها سابقاً، هوفستاد.
و الفاتن هنا أن الطريقة، التي اعتُبرت بها مسرحيةٌ ذات يوم واحدةً من أقل أعمال إبسن قد نالت إحضاراً جديداً في عالمنا الساخط اليوم: و هذا هو الإحياء الرابع للمسرحية الذي شاهدتُه في السنوات الست الماضية، و الأكثر إلحاحاً في ذلك أن خطبة ستوكمان المسهبة تتضمن الآن تهجماتٍ على التزمت، و الاقتصاد، و الأسرة النووية. و يلقيها هنا الممثل كريستوف غوندا بغضب شديد محيَّر رائع، هناك إسناد رفيع المستوى من إيفا ميكباتش التي تقوم بدور زوجته الممتعضة ( في المسرحية ) و ديفيد رولاند بدور مالك الصحيفة المحلية الذي يمثّل بورجوازياً قديماً يحاول يائساً أن يكون معها. و بدعوته الجمهور للنقاش، يكشف أوستيرميير عن الرغبة في تغيير راديكالي يجيش تحت سطح مجتمعنا المرتَّب جيداً.
عن: The Guardian