مرّت احتفالات لبنان بذكرى استقلاله هذا العام باهتة، للعديد من الأسباب لعل أبرزها أن وطن الأرز يعيش بدون رئيس منذ ما يقارب 200 يوم، وفي ظل ثنائية المترشحين عون وجعجع، والتي كسرها المترشح حلو، فإن المؤكد أنه من دون المرشح الثالث لن يتنافسا، وفي ظله لن يصل اي منهما الى الرئاسة، ومع أن المفترض أن تكون الذكرى عيداً وطنياً يجمع ولا يفرق، فإن الواقع أن الانقسام القائم بين سياسييه يحد من فقدان الجوامع المشتركة للعيش، خصوصاً وأن الفترات الأخيرة شهدت تدمير المؤسسات الوطنية، وهيمنة طيف معين بالقوة على البلد، وهو يسعى لتوظيف النظام في خدمة مشروعه السياسي، رغم أن هذا المشروع موظف بالأساس لخدمة دولة أجنبية، ورثت السيطرة على لبنان بعد انسحاب القوات السورية منه، عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والراهن أن لكل تيار سياسي مفهومه للاستقلال، ولكل تفسيره للمواطنة والولاء للوطن، ولكل سياسي مرجعيته الخارجية كونها تدعمه وتموله، وبالتالي تسيره وفق رغباتها ومصالحها، فيما تتسيد المشاعر الطائفية، والنتيجة أن لكل واحد لبنانه الذي لا يشبه لبنان الآخرين.
في لبنان اليوم لم يتبق من المؤسسات ما يؤكد الاستقلال، غير الجيش الذي يُجمع معظم اللبنانيين على أنه الأمل ببعث روح الاستقلال مجدداً، بدل تحول ذكراه إلى مجرد يوم للعطلة وذكرى سنوية لا أكثر، ولعل من حق البعض حمل هذا الشعور، لأنه لم يكن يوماً وطنياً عابراً للطوائف والسياسات، والذكرى تمر اليوم والبلد في أمس الحاجة إلى حوار وطني، يعيد صياغة مفهوم ومعنى الاستقلال، بعيداً عن الشعارات المستهلكة حول الحرية وسيادة والديموقراطية، والبحث عن حلول للأزمة الراهنة، من خلال إعادة ترتيب البيت والتفاهم بين الطوائف، وصياغة علاقة إيجابية بين السياسيين، ويبدو أن بعض الزعماء يدرك هذه الحاجة، حيث تتواتر الدعوات إلى عقد اجتماعي جديد، أومؤتمر تأسيسي يطور اتفاق الطائف ولا يلغيه، وبحيث يتم التوافق على هوية لبنان الوطنية، ويعيد صياغة نظام سياسي متماسك يحل محل الحالي، بعد استنفاذه كل الفرص للبقاء حيا وفاعلا.
لبنان اليوم هو غير ذلك الذي أنشأه الجنرال الفرنسي غورو عام 1920 وسماه لبنان الكبير، وضم لجبله البقاع والشمال والجنوب وبيروت، كان ذلك ضد إرادة المسلمين، الذين تحولوا إلى أقلية بعد أكثريتهم في عهد العثمانيين، وأدى ذلك إلى توزع ولاء مواطنيه بين الأم الحنون الراعية للكيان الجديد، وعواصم القومية العربية التي تمثلت يوماً بدمشق عاصمة مملكة فيصل ابن الحسين، وانتقلت لاحقاً إلى قاهرة عبد الناصر وأضيف لها منذ عقدين من الزمن ولاء طائفي للجمهورية الإسلامية والولي الفقيه، وبحيث بات اليوم بعد انطفاء وهج القومية الذي أعقب هزيمة العثمانيين، ينتظر نتائج المفاوضات النووية بين إيران والغرب، أو موافقة الراعي السعودي، ليقرر أي رئيس يمكنه السكن في قصر بعبدا، بعد أن كان القرار في هذا الإطار محصوراً بدمشق حتى اغتيال الحريري.
يتحاور اللبنانيون نيابة عن رعاتهم، وتنشط المساعي لجمع النقيضين، حزب الله وتيار المستقبل، هذا يمثل مصالح طهران وذاك يرفع لواء الرياض، وبينهما من لايزال في لبنان يمحض الولاء لدمشق الأسد، ونتيجة لذلك فان اي حوار بين هؤلاء سيكون صعباً، ما لم تتحلحل العلاقات بين السعودية وإيران، صحيح أنهم يناقشون مسائل داخلية لكنهم ينطقون بآراء الغير وينتظرون توجيهاتهم، وعلى هذا الأساس فإن إشغال منصب رئيس الجمهورية ينتظر توافقاً خارجياً يرتبط بموقف الغرب من نووي إيران، ولاحقاً موقف السعودية من هذا الملف، ومن تدخل حزب الله العسكري في الحرب السورية.
أي استقلال والبلد عاجز عن انتخاب رئيس؟.
احتفال بالاستقلال بدون رئيس
[post-views]
نشر في: 25 نوفمبر, 2014: 09:01 م